"البوكيمون" البلدي؟!

أشعر بالقلق والخوف من أن يتجاوز عدد ضحايا لعبة "البوكيمون" في الأردن عدد ضحايا القنبلة الذرية التي ألقيت على هيروشيما باليابان. فهذه اللعبة التي انتشرت مؤخرا، تعتمد على اصطياد "البوكيمون" أينما وجد، عبر البحث عنه باستخدام كاميرا الهاتف الخلوي!
إذا كان الشخص في الأردن يتنحنح بصوت أعلى من الطائرة النفاثة، ومن ثم "يا ستار.. يا أهل الدار"، ويجلس ربع ساعة "ملطوع" على الباب حتى يؤذن له بالدخول، فما بالك إذا لم ينتبه أحدهم وكان تركيزه في الكاميرا، فلم يجد نفسه إلا في "حوش" دار الجيران، من دون "إحم ولا دستور"، بحثا عن "البوكيمون"! لا أعتقد حينها أنه سيكون لديه الوقت الكافي لتوضيح الموقف، بل سيصطاده الخرطوش قبل أن يتمكن هو من اصطياد "البوكيمون". وفي اليوم التالي سنقرأ في الصحف "انتقل إلى رحمة الله تعالى إثر بوكيمون مؤسف"!
ولا أدري كيف سيتمكن العرف العشائري من التعامل مع هذه الحوادث. فمن غير المعقول أن نوكّل شيخا معروفا، و"منقع دم"، و"فكاك نشل"، بقضية دم سببها "بوكيمون". ولا أعتقد أن هناك من سيرضى من الوجهاء بأن يكون كفيل الوفا لصائد "بوكيمون". والأخطر أن هناك عائلات لن ترضى بالجلوة بسبب "بوكيمون"، لأن صائد "البوكيمون" سيعتبر سويد وجه!
تخيل أن تحدث حالة وفاة، والناس في قمة حزنها وولعها على المرحوم، ثم فجأة يدخل أحدهم لاصطياد "بوكيمون" تصادف تواجده بجانب أبناء المرحوم المفجوعين! أعتقد أنه سيرافق المرحوم في التابوت نفسه إلى مثواه الأخير!
ومن الممكن أن تكون في الشارع أنت وزوجتك، وفجأة يصطاد أحدهم "البوكيمون" من فوق رأسك أمام الناس؛ هنا ستقول: "الموت ولا البوكيمون"! وبكل تأكيد، سيدخل هو العناية الحثيثة وأنت سجن الجويدة. فإن كنا لا نحتمل مجرد نظرة لبعضنا بعضا، فكيف سنتحمل "بوكيمون"!
وقد تكون في جاهة طلب عروس، وكبير الجاهة يتحدث عن العلاقات الطيبة بين العشيرتين الكبيرتين، ومواقفهما المعروفة في خدمة الوطن، وفجأة يظهر "بوكيمون" أمام كبير الجاهة، فتتسابق العائلتان لاصطياد "البوكيمون" من أمامه. وقد تحدث حينها مشاجرة بين العائلتين لأن أهل العروس لم يكرموا أهل العريس بـ"البوكيمون"، وسيعتبرون ذلك انتقاصا من قدرهم ومن قدر الجاهة، بينما أهل العروس سيقولون: "أكيد إنهم داخلون على طمع"... فإن كانوا لم يتركوا لنا مجرد "بوكيمون"، فكيف سيتركون للبنت حرية اختيار المنزل والأثاث. وستفشل الخطوبة بسبب "بوكيمون"!
ومن الممكن أن تجد مجموعة كبيرة تخرج من "المول" مثل المجانين، فتعتقد أن هناك عملا إرهابيا قد وقع، وتهرب معهم. وبعد أن تكتشف أن خروجهم كان بسبب البحث عن "بوكيمون" قريب، فقد لا تنفع حتى المقويات لاستعادة عافيتك!
ليس كل ما يصلح لدول العالم يصلح لنا. وتكفينا "بوكيمونات" الأردن، فلسنا بحاجة لجدد. أعرف "بوكيمون" بلدي ظهر اسمه في جميع "التخبيصات"، وفي جميع لجان التحقيق، وفي جميع المناصب، ولغاية اليوم لم نتمكن من اصطياده!
إن كان العالم يعيش اليوم متعة البحث عن "البوكيمون"، فنحن من كان "البوكيمون" هو السباق للخير، وبحث عن مواردنا واصطادنا فردا فردا!
من سينجح باصطياد "بوكيمون" سيعاتبه أشد العتب وسيقول له: "ليش ما تشاطرت على البوكيمون اللي سرقك؟!". فلا داعي لأن نحرج أنفسنا مع "البوكيمونات" المسالمة!