هدية من السماء لأردوغان!

كانت ولا تزال محاولة الانقلاب التركية واحدة من المحاولات العصية على التحليل والتفكيك والاتفاق على رأي ختامي موجز حيالها، إذا ما تمت قراءة جل الكتابات المتعمقة فيها، والمحاولة الذهاب بها إلى جملة من الخانات الخادمة والخادعة في الوقت ذاته، ولو لم يكن من صداع رهيب في هذا المشهد إلا محاولة التوصل الى عنوان عريض يمكن من خلاله أن نحدّد من هو الصانع الرئيس لهذا الانقلاب ومن يقف وراءه بالتجييش والتوجيه.

 

 

أقصــر محاولة انقلابية في التـــاريخ التركي يقابلها كـــذلك أسرع عملية إفشال، وإن كانت هاتان السرعتان مثار اهتـــمام المتابعين والمفسرين والراغبين في الحصول على معلـــومة صادقة وصادمة. وأكثر ما يبهج المتلقّي العام المبتعـــد مـــن أي تداعيات ودهاليز سرية في المشهد السري للانقلـــاب ومشاريع الإسلام السياسي، أن إفشال الانقلاب فيه خبر جيد وطازج ولذيذ لأنصار الديموقراطية وحريات الفرد في العالم، على رغم أني أقرأ في الحماسة الشعبية للمواطن التركي رغبة حديدية في العيش باستقلالية تامة وبعيداً من الذاكرة الرديئة وأزمنتها السيئة الذكر تلك التي تعيد لهم حكايات الانقلابات العسكرية وتأثيراتها المتناهية على الكيان والفرد، ولذا كانت الرغبة الأساس لأجل لحظة صارمة تستوجب نسيان عصور مضت لا لأجل أردوغان وحده.

 

 

أتى هذا النجاح الشعبي في إحباط مخطط الانقلاب للسيد أردوغان على طبق من ذهب، ذلك لأنه يضاعف من رصيده الشعبي ويسعد الراسمين من شخصه حالة قيادية هي استثناء على حدّ وصفهم. وثمة من يفرح به وبكل ما ينتمي له من خارج الحــدود التركية أكثر من كثر من الذين هم في داخل هذه الحدود بالجنســـية والدم، ويتحدث الإخوان وحزبهم بكثير من الحماسة والحسـاسية لأنهم يشعرون بأن مصيرهم ذو علاقة وطيدة مع المشروع الذي يذهب إليه أردوغان وإن كانت تفاصيله وحكاياته لا تقول ذلك بتاتاً، ولنا أن نفكك فقط فلسفة إسلام سياسي تركية وسط مجتمع يسير وفق مبادئ علمانية وإن غلفت بجمل تنظيرية ووعود وشعارات تخدم الكرسي بالمقام الأول.

 

 

أردوغان جاءته الفرصة المناسبة لمراجعة شيء من مغامراته، إذ أصبحت ثقته في جيشه بموقف مهزوز وليســـت على ما يرام، وللعشاق الذين يقفون مع السلطة وحدها لا الشعـــب أن نذكرهم أن أردوغان أعاد قريباً علاقته مع إسرائـــيل وصافـــح الدب الروسي في اللحظة التي لم يكن ينتظـــر فيها أحد مصافحة معلنة دافئة، وربما أن الأفكار كانت تذهب لما هو أبــعد، فأتت هدية المساء لعله يعيد من بعدها الحسابات، على رغم أنها فرصة مواتية من نافذة أخرى لتمرير مشاريع عمل تضاعف هيمنته الرئاسية. ويظل الفرح الحقيقي للمواطن التركي الذي يفكر في تركيا أكثر من أي شيء آخر، أما المشجعون للانقلاب المرتبك أو أولئك الذين ماتوا فرحاً لفشله من نظرة حزبية وتعاطف سري ومعلن، فأظن أن الأتراك أحق وأقرب من الموعد المناسب لقراءة مشاعر العالم الداخلية والخارجية عنهم ولهم، وأظنهم يرغبون في سياسة تركية تتكئ على «صفر من المشكلات». وإن كان انتهى الانقلاب في محيطهم الوطني لكنه لم ينته القلق بعد، وسيكون الانقلاب المختل مدخلاً لسؤال مزعج يقول: تركيا إلى أين؟.