البرلمان من منظور إقليمي !
نحن جزء من إقليم يضم من حولنا دولا تواجه حروبا وأزمات سياسية متفاقمة ، ومفهوم الدولة في سوريا والعراق واليمن وليبيا نتيجة الانقسامات الداخلية والمواجهات المسلحة يعطي الأولوية للخيارات العسكرية والأمنية ، وما جرى في تركيا يوم الجمعة الماضي ، وما تبعه من تدابير على مدى الأسبوع الحالي أدخل تركيا في قائمة الدول المأزومة من داخلها.
الفوارق النسبية بين دولة وأخرى من دول الإقليم التي تواجه أزمات داخلية ، تحسمها الشرعية المتمثلة في سلامة السلطات الثلاث ، التشريعية والتنفيذية والقضائية ، ولعل درس تركيا يشكل مثالا واضحا على أهمية التوافق بين القيادة العليا وتلك السلطات ، وفي حالة تركيا فإن ما سيفعله الرئيس رجب طيب أردوغان مع خصومه من الانقلابيين العسكريين والمدنيين ستضعه أمام خيارين: إما أنه سيصفي وجودهم بصورة حاسمة مما قد ينقل تركيا إلى صراع تحت الأرض ، وإما أن يقوم بمراجعة شاملة يمكن أن تحافظ على الدولة ، بناء على قدر معقول من التوافق الدستوري.
ضمن هذه الأجواء الإقليمية غير المستقرة يعد الأردن العدة لانتخاب أعضاء مجلس النواب الثامن عشر ، أي إعادة تشكيل السلطة التشريعية ، والجدل ما زال مستمرا حول آلية التعامل مع قانون الانتخاب الجديد في الوقت الذي بدأ فيه الراغبون بالترشح لتلك الانتخابات مشاوراتهم مع القواعد الشعبية ، فضلا عن الاتصالات المتعلقة بتشكيل القوائم الانتخابية ، وغير ذلك مما يسبق عادة يوم الاقتراع.
صحيح أن عملية الانتخابات البرلمانية هي استحقاق وطني داخلي ، ولكن لا يمكن إغفال الواقع الإقليمي الذي يفرض علينا النظر إلى الانتخابات على أنها – بسبب ذلك – جزء من بناء الدولة الأردنية وسلامة سلطاتها ومؤسساتها ، وبالتالي تعزيز وتثبيت كيانها في محيط هائج وصراعات داخلية ، وتصادم في المصالح الإقليمية والدولية هي الآن في أوجها !
أستطيع أن أدعي أننا مقبلون على تلك الانتخابات في مرحلة لم يسبق لها مثيل ، وأن أي عبث أو تقليل من قيمة ذلك ، سواء في نوعية من يقدمون أنفسهم كممثلين للشعب، أو تقاعس الناخبين عن القيام بواجبهم الوطني بحجة بعض المثالب التي شابت التعبير الديمقراطي تحت القبة ، سيكون بمثابة تقليل من قيمة الدولة ، وعدم تقدير للنجاح الذي حققته في التصدي للتحديات الداخلية والخارجية ، وإدارة الأزمة على مستوى عال من التفكير الاستراتيجي ، وفهم التوازنات ، وتجنب الانجذاب إلى دوار البحر الذي هوت إليه دول نتيجة تجاهل دور الشعوب في الحفاظ على مكتسباتها الوطنية ، وحماية أمنها واستقرارها !
الانتخابات هذه المرة ليست مجرد استحقاق وطني ، إنها عنصر أساسي من عناصر قوة الدولة وقدرتها على التعامل مع كل التطورات المحيطة بها ، وهي تطورات مرشحة لما هو أكثر سوءا ، فتعالوا نأخذ المسألة بجدية فنفتح أبواب الحوار الوطني على مصراعيها ، لكي ننجح في اختبار الديمقراطية ، والمشاركة الشعبية في اتخاذ القرار ، ذلك أن مصير الدول كما نرى مرهون بالاتزان والتوازن بين مكونات الدولة جميعها ، وهي قائمة في بلدنا ، بحمد الله ، بنظامها الهاشمي النبيل ، وشعبها الأصيل ، وسلطاتها الدستورية ، وكذلك خبرتها الطويلة على مواجهة الأزمات ، وفوق ذلك كله عناية الله ورعايته وفضله الكريم ، ما علينا إلا أن نكون على قدر المسؤولية في هذا الظرف العصيب.