"اللي مات والا إللي توفى"!



هذا بالضبط حال جموع المغردين والمتابعين لخبر محاولة الإنقلاب الفاشلة، التي سهرت الجماهير العربية طويلا حتى ساعات الفجر الأولى، ليلة الجمعة/السبت الفائتة. آلاف من التعليقات المبالغة في العاطفة، المدقعة في السطحية، المقلقة في القراءة، خصوصا لما آل إليه الوضع الفكري والعقائدي والسياسي، إن صح لنا التعبير، هي سمة رد الفعل العربي الأولى والثانية، حتى شروق الشمس وظهور خيوط الحقيقة، على الأراضي التركية صاحبة الشأن الأول، ومن ثم "الانقلاب” في المواقف لتغرد وتعلق وتدلل، إنما من الجهة الأخرى للرأي الذي كان معاكسا تماما، قبلها بعدة ساعات فقط!
الانقلاب الذي حصل في تركيا، كان عسكريا بحتا. ومع ذلك فقد كان رجع الصدى مدويا باتجاه الترحيب والتهليل للدبابة التي ستحرر الدولة التركية، من براثن شرعية الصندوق الانتخابي، أيا كانت نتائجه. هؤلاء أنفسهم تجاسروا على تسمية الانقلاب العسكري ثورة، وهم يرون بأمهات أعينهم، الشعب التركي باللحى والحجاب والتنانير القصيرة والسراويل الساحلة، وهم يقفون بوجه الآلة العسكرية بكل شجاعة وعناد، فقط حتى لا يحكمهم العسكر. يسمونها ثورة، وكأنها انتفاضة الدبابة والطائرة العسكرية لتحرير الوطن العربي، من ماذا؟ من حكم الإخوان في تركيا .. عفوا؟!
وفي الجهة الأخرى، تداعت أصوات منددة بالانقلاب العسكري، على الشرعية في تركيا، على اعتبار أن ما سيحصل هناك بعد نجاح الانقلاب، سيعزز قوة الجيش والاستخبارات العسكرية في مناطق مجاورة ومحاذية لتركيا، وربما ستنتقل عدوى الحكم العسكري بالتماهي، في دولنا المتمتعة جدا بالديمقراطية وحرية الرأي والاعتقاد والتعبير.. عفوا مرة أخرى!
قرأنا وسمعنا آراء "سمك لبن تمر هندي”، من قبل متفرغي كل شيء ماعدا التعليق عما يحدث في العالم، بدون أن تبنى هذه الآراء على استنادات مهنية وفكرية ولا حتى إطلاعية. كلها كانت تحليلات تتخبط ببعضها على جدران الحوار المفتوح، في مواقع التواصل الاجتماعي، ناهيك عن استباقية النتائج وقراءات ما بعد الخبر "العميقة”، والتي لم تعد أكثر من عمليات "جكر في جكر”.
هكذا نحن أمام الأحداث الكبرى، التي تحدث وتكبر وتنتهي أمام أعيننا، في بلاد تتعلم من دروسها على أرض الواقع، وتمارس هذا التعلم بعد مرور أول دقيقة على نهاية الحدث، ليكون سطرا جديدا تكتبه الشعوب المحترمة، في تاريخ نموها وازدهارها. فيما نحن نقضي "سنوات العمر الضائع” في التعليق والتحليل والتكبير، بدون أن نطرق أول أبواب التغيير؛ التفكير.
الشعب التركي انتصر لديمقراطيته، المعارضون قبل المؤيدين، لأنهم يدركون معنى أن تحكم بلادهم من قبل دبابة، سواء خاضوا التجربة سابقا، أو تعلموا من تجارب مرة لآخرين. فيما نجد على صفحة أحد مهللي الانقلاب، فيديو لكاتبة تركية وقفت أمام الدبابة معرضة نفسها للموت مقابل أن تعيش الديموقراطية. هو نفسه معجب بتلك العلمانية التي تدافع عن حق الإسلامي في خوض التجربة السياسية لآخرها، وهو قبلها بساعتين كان ينشر دعاء الحاجة، من أجل أن ينجح الانقلاب، وتتحرر تركيا.
ومن الطرف الآخر، كانت صور "أردوغان” تتصدر صفحات مؤيديه من المغردين العرب، فيما لم نشاهد له صورة واحدة مرفوعة في الشوارع التركية، التي اتحدت تحت علم الدولة، ودستورها وحرية اختيارها، مهما كان قاسيا، أو طيبا.