الإرهــاب سيـهـــزم

وكأن الشعب العربي الفلسطيني ، ينقصه الاذى والارهاب والقتل والمطاردة ، وكأن إرهاب المستوطنين الاجانب ، ومحارقهم ، وتصفيات أجهزة الامن الاسرائيلية لشباب فلسطين وصباياها ، وإبادة جيش الاحتلال لعائلات كاملة في حروب غزة الثلاثة 2008 و 2012 و2014 ، لا تكفي الفلسطينيين معاناة وتمزقاً حتى يطالهم الموت قتلاً ، في كل مكان وزمان ، على أرض وطنهم منذ مجازر عصابات الاجرام الصهيونية وحتى يومنا هذا ، وخارج وطنهم ، على أيدي مجاهدي القاعدة وداعش في مخيمات اللجوء في سوريا ، اليرموك وغيره ، وفي مطار إسطنبول يوم الثلاثاء 28/6/2016 ، وها هم الذين وصل بعضهم إلى نيس لمشاركة الفرنسيين في عيدهم الوطني والاحتفال مع أطفالهم ونسائهم يوم 14/ تموز ، يتعرضون للدهس المتعمد سوية مع فرنسيين وإنجليز وتوانسة وجزائريين في ساحة ماسينا على شاطئ نيس الساحلية الفرنسية الوادعة دائماً والصاخبة بفرح زوارها في الصيف لوقوعها على كورنيش اللازور الخلاب .
المجاهد محمد أبو هلال ، سعى وفق تعليمات قيادات المجاهدين الثورية إلى تطهير فرنسا من الفرنسيين وأوروبا من الاوروبيين والانتقام منهم وتخليص البشرية من إبداعاتهم وحضارتهم وقناعاتهم بالتعددية وهو يرفض ذلك بشدة فقد إستقبلت فرنسا عائلته من تونس ومعه ملايين من التوانسة والجزائريين والمغاربة ومن الافارقة ووفرت لهم فرص العيش والكرامة حتى وصل بعضهم ليكون نائباً في البرلمان ووزيراً في الحكومة ، فالحضارة الغربية لا تسأل عن قوميتك ودينك ، بل عن تعليمك ووعيك وقدراتك وعلى هذه العوامل تفتح لك فرص الحياة والتفوق ، وها هو أبو هلال مع العشرات بل المئات يعاقبون النظام الاوروبي على فعلته الشائنة أنه سمح عبر أنظمته وبلدانه بإستقبال المهاجرين الهاربين من الفقر والاستبداد ليكونوا مواطنين ، فأصر بعضهم على محاكمة الاوروبيين وإدانتهم وقتلهم جماعياً كما فعل المجاهدون في غير مكان على أرض فرنسا بالرصاص والقنابل والعبوات الناسفة والدهس بالشاحنة .
العمل الجهادي هذا بأدواته وأشكال ممارساته وعنفه الدموي ليس أمامه أفق لتحقيق نتائج غير الدمار والخراب والموت ، ولذلك لن تتوفر لديه مكانة للبقاء أو للعيش أو للإنتصار ، وحصيلته الانتحار لنفسه ولمن يقف معه وللفكرة التي أنجبته ، هذا ما حل بكل من إختار هذا الطريق وهذا الاسلوب وهذا الشكل من العمل الكفاحي أو الجهادي بدءاً من الجيش الاحمر الياباني ، وبادر ماينهوف الالماني ، والجيش الاحمر الايطالي وغيرهم من المحاولات الثورية التي إعتمدت الانتقام والاغتيال والتفجير والقتل العشوائي لمجرد الانتقام وإيذاء الاخر ، بصرف النظر عن جنسه أو قوميته أو دينه ، بلا وازع من ضمير ، وبلد أي إحساس بالمسؤولية الاخلاقية نحو إنسانية الانسان ، وهو حال تنظيمي القاعدة وداعش والعديد من التجارب الفاشلة من جيش الانقاذ الجزائري والفصائل الصومالية ومالف لفهم ، ولكن يستوجب الادراك أن هزيمة هذه الفصائل ، وإندحار هذا الخيار لا يعتمد فقط على العمل الامني والعسكري ، بل يحتاج إلى شيوع ثقافة تقديس الحياة لدى أصحاب الديانات وأبناء القوميات ، وعلو ثقافة الانسان بإحترام إنسانيته ، بإعتباره أرقى تعابير الحياة ، ونبذ القتل لأنه يتعارض مع قيم الديانات ومع إستمرارية الحياة وكرامة بني البشر .
الفلسطينيون تضرروا مع الاردنيين والسوريين والليبيين والعراقيين واليمنيين ومع المصريين وسائر الشعوب العربية ، من ممارسات وسلوك المجاهدين وثورتهم وحركاتهم السياسية المتطرفة ، ومن عملياتهم التفجيرية والانتحارية ، ولكن الذي أصاب القضية الفلسطينية من تراجع وإنحسار بسبب تركيز الاهتمام على معاناة الشعوب العربية ، أكثر من الاهتمام بمعاناة الفلسطينيين ، فكانوا الاكثر ضرراً على الصعيد السياسي ، وسجل المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي على أنه الاكثر إستفادة من سلوك المجاهدين الثوريين وجرائمهم .
ولذلك تبرز هنا أهمية ما صدر عن حركة حماس بإعتبارها إمتداداً لحركة الإخوان المسلمين ، التي شجبت العملية ، وإعتبرت عملية الدهس إرهابية طالت أناس أبرياء ، مما يتطلب شجب كل العمليات التي تستهدف المدنيين حتى ولو إستهدفت مدنيين إسرائيليين بصرف النظر من يقوم بها ولأي سبب كان وهذا يعود لسببين جوهريين :
أولهما : كي يبقى النضال الفلسطيني بريئاً من أي شبهة إرهاب بما فيها عمليات الدهس العشوائية ، فالنضال الفلسطيني يجب أن يبقى نظيفاً من التورط بالمس بدماء المدنيين مهما كانت دوافع الفعل ضد الإسرائيليين نبيلة بهدف التخلص من الاحتلال وظلمه ، ومهما كان المدنيون مؤيدين للإحتلال ومتعصبين ، وأعداء لحقوق الشعب العربي الفلسطيني في المساواة والاستقلال والعودة .
وثانيهما : حتى يواصل الشعب الفلسطيني تحقيق المزيد من العطف والتأييد والتضامن من قبل المجتمع الدولي لعدالة قضيته ، ومشروعية نضاله ، وأحقية تطلعاته ، بما فيها كسب إنحيازات إسرائيلية من داخل المجتمع الإسرائيلي لصالحه ، فالمجتمع الإسرائيلي مازال بأغلبيته موحداً ضد الشعب العربي الفلسطيني وحقوقه ونضاله ، وأحد عوامل إخفاق النضال الفلسطيني فشله في كسب إنحيازات جدية للنضال الفلسطيني ، فقد فشل كلاً من المشروع الوطني الديمقراطي الفلسطيني ، والمشروع الإستعماري التوسعي الإسرائيلي في إلغاء الاخر ، وتصفيته ، وإنهاء وجوده على أرض فلسطين ، وبات لزاماً على الشعبين أن يبحثا عن فرص الحياة المشتركة وحُسن الجوار للشعبين على الارض الواحدة إما بتقسيم الارض عبر الدولتين ، أو تقاسم السلطة بدولة ديمقراطية واحدة تحتكم لنتائج صناديق الاقتراع ، ليسقط المشروع الإسرائيلي لأنه متطرف ومستعمر وعنصري ، وينتصر المشروع الفلسطيني لأنه إنساني وديمقراطي وعادل . 
h.faraneh@yahoo.com