هل وقعت تركيا ضحية لسياسة مؤسسة الرئاسة؟!
منذ أن اعتلى رجب طيب اردوغان سدة الحكم رئيسا للوزراء ومن ثم رئيسا لتركيا، عمل جاهدا الى عمل انقلاب حقيقي ودستوري مستخدما كافة الصلاحيات التي منحه اياها الدستور وتجيير بعض الصلاحيات الأخرى رويدا رويدا الة أن امسك بزمام الأمور بقوة ليسير بتركيا نحو سياسة تبدو اقرب الى الديكتاتورية منها الى التعددية والديمقراطية السياسية السليمة.
فبعد أن كانت المقولة السياسية في تركيا تقول: الدستور يعني الجيش، والجيش يعني الدستور قلب أردوغان هذه المعادلة، وهذا المبدأ ليصبح الدستور يعني الرئيس والرئيس يعني الدستور بانقلاب ديناميكي أبيض مستثمرا الزخم الشعبي لمحبة الشعب لشخصيته التي لمعت في سماء تركيا والعالم أيضا.
وربما استغل اردوغان محاولة الانقلاب المفتعلة التي قامت في تركيا قبل بضعة سنوات لصالحة ويجير الكثير من الصلاحيات والحقوق لمؤسسة الرئاسة للدولة التركية، ومحاولة الانقلاب هذه التي بدأت هذا اليوم، اعتقد جازما بأنها ستكون الضربة القاضية لمؤسسة الجيش لصالح مؤسسة الرئاسة التركية ليسير اردوغان الى مزيد من الديكتاتورية ومزيد من الصلاحيات، حتى تصبح المؤسسة العسكرية خاضعة كل الخضوع لرئيس الدولة وتكون أداة طيعة بأصبعه، واعتقال كل من يبدي أية معارضة لرئيس الدولة والتي يبدو أن تركيا وأدت هذا الانقلاب ونجحت في إفشاله بالرغم ان العمليات حتى اللحظة لا تزال قائمة بين المتمردين (الانقلابيين) العسكريين.
وإذا ما نظرنا الى أسباب هذا الانقلاب لنلخصها بثلاثة أسباب رئيسة:
الأول هو ما ذكرناه سابقا بمحاولة مؤسسة الرئاسة تحييد مؤسسة الجيش وسلب الكثير من صلاحياتها وسلطاتها على النحو الذي ذكرناه آنفا
والثاني وهو العامل الأهم باعتقادي والمتمثل بالمسألة الكردية التي حددت اتجاه السياسة الخارجية والداخلية للسياسة التركية، ونلخص هذا التطور بالمراحل التالية، فمع بداية الأزمة السورية وقفت تركيا الى جانب القوى المعارضة للنظام السوري بحلف امريكا وقطر والسعودية وغيرها من رموز المعارضة وقدمت المال والسلاح للارهابيين الذين دمروا سوريا طمعا في أن يقاتل هؤلاء المقاتلين الأكراد، وما مسألة كوباني "عين العرب" الا الدليل الأمثل الذي يبين دعم الأتراك لقوات داعش لدخول هذه المدينة واسقاط المقاتلين الأكراد هناك نظرا لأهمية هذه المدينة التي تقع على الحدود التركية الجنوبية وفتحت تركيا جميع حدودها للمرتزقة والمقاتلين الذين قدموا من جميع انحاء العالم للدخول الى تركيا بعدتهم وعتادهم الحربي، ولكن هذه السياسة بدأت تترنح وتبدي فشلها بعد التدخل الروسي الى جانب قوات النظام، التي بدأت تحقق نتائج ملموسة على الأرض، وبعد أن فشلت الفصائل المسلحة الارهابية في اقناع العالم بأنها قوة عسكرية معتدلة، حيث ان جميع اعمالها على الأرض كانت تبرهن انها قوة همجية هدفها جمع المال وهتك اعراض الناس وانها لا تهدف الى اي هدف نبيل وسامي الا القتل والدمار، ولما تكشفت هذه الفصائل على حقيقتها كان على تركيا أن تنقلب على ذاتها وتعدل مسار سياستها، وخاصة بعد حادثة سقوط الطائرة الروسية وسلسلة العقوبات الروسية التي لحقت بتركيا، فما كان عليها سوى تغيير رئيس وزرائها داود أوغلو وتعيين بن يلدريم الذي بدت سياسته واضحة في الانفتاح على روسيا وتحسين علاقاتها السياسية والاقتصادية وابداء الاعتذار رسميا لروسيا على سقوط المقاتلة الروسية شمال سوريا، وكذلك الحال بوادر الانفتاح على العراق والنظام السوري ومصر حيث اعلنت تركيا بأن لا مصلحة لتركيا بمعاداة دول الاقليم وان عليها ان تقيم علاقات طيبة مع الجميع، وهذا لم يأت من فراغ، فالسياسة التركية تلعب على وتر المسألة الكردية كما ذكرنا، وهمها الأول والرئيس ان لا يقوم للأكراد أي كيان سياسي مهما كان نوعه او شكله والآن لا بد من الوقوف الى جانب النظام السوري وايران والعراق وتتعاون معهم في سبيل ذلك، خاصة بعد فشل الفصائل في القضاء على القوة الكردية المتنامية والتي تحظى بدعم مباشر من امريكا، وقد ظهرت توترات في العلاقات التركية الأمريكية بسبب الخلاف مع امريكا في التعامل مع المقاتلين الأكراد التي ترى فيهم تركيا خطرا مباشرا على حدود دولتهم في الجنوب.
والسبب الثالث باعتقادي هو سياسة تركيا ورغبتها في الانضمام الى الاتحاد الأوروبي، وباعتقادي فإن تأخر انضمام تركيا الى الاتحاد الأوروبي يتمثل في قيادة تركيا (حزب العدالة والتنمية) ذو الاتجاه الاسلامي المعتدل احيانا، وتزعمها لحركة الأخوان المسلمين في العالم، جعل العالم الأوروبي متوجسا ومتخوفا من تركيا خاصة وأن احزاب العدالة والتنمية في العالم الاسلامي قد سجلت سجلا أسودا في مجالات حقوق الانسان وتكفير القوى الأخرى وعدم الاعتراف بحقوقهم، وقد بدى ذلك واضحا في مصر إبان حكم الرئيس محمد مرسي الذي عمل على إقصاء القوى الأخرى واتضاح السياسة الدموية لمثل هذا الفكر، فلا غرو إذن لوقوف أوروبا في التريث وتأخير الموافقة على تركيا في الدخول للاتحاد الأوروبي؟، أما وقد بدت السياسة التركية واضحة في دعم الارهاب فكادت اوروبا أن ترفض دخول تركيا الى جسمها،
أما القشة التي قسمت ظهر البعير في هذا الصدد فهو تعامل تركيا مع ملف اللاجئين السوريين التي استغلتها تركيا كورقة ضغط على أوروبا مما أنهك أوروبا التي ظهرت عاجزة عن التعامل مع ملف اللاجئين وفقا للمعايير الأوروبية والانسانية المتمثلة بتوفير عيش كريم للاجئين، وقد استعملت تركيا سياسة ابتزاز رخيصة ضد اوروبا بهذا الموضوع بالذات
ولهذه الأسباب وغيرها من الأسباب، وجدت المؤسسة العسكرية تخبطا واضحا للسياسة التركية،؟ وان سياسة حزب العدالة والتنمية تقود البلاد الى افق غير واضح، فقد تحركت بعض المشاعر الوطنية الغريزية للمؤسسة العسكرية لانقاذ البلاد، وقيادتها نحو مستقبل أكثر وضوحا كما يعتقدون.
الا أن تركيا وبالرغم من كل هذا وذاك تعتبر دولة اقليمية مؤثرة ولها وزنها وكيانها، وكذلك فهي دولة مترامية الأطراف يصعب على أية حركة انقلابية النجاح بسهولة لقلب نظام الحكم، ولكن هذا لا يعني أن تغض تركيا الطرف عن ما يجري في البلاد، وانه لا بد من النظر الى اسباب الانقلاب لمعالجته والمضي قدما في تركيا نحو مستقبل اكثر اشراقا وان تستقي الدروس والعبر من هذه الأحداث، ودفع تركيا الى المزيد من الديمقراطية وان لا تكون السلطة والتنافس بين مؤسسات الجيش ومؤسسة الرئاسة بين طرفي نقيض بل التعاون والمزيد من التنسيق بين مؤسسات الدولة المختلفة مادام الهدف هو وحدة تركيا والرقي بها وليس تنافسا او تقاسما للسلطة هناك
نطلب من الله ان يحمي تركيا والعالم من الأخطار والكوارث والحروب وأن ترقى الانسانية والقيم الانسانية واحترام حقوق الانسان وان ينعم بالأمن والاستقرار في كل مكان في العالم