علهم يفلحون

يسعى بعض الشباب إلى حجز موقع لهم في الانتخابات النيابية المقبلة، علّهم يتمكنون من تحريك ما يمكن اعتبارها أغلبية معطلة، وهي فئة الشباب، لاسيما في العاصمة عمان، نتيجة عوامل مجتمعية وأخرى سياسية.
المبادرة جاءت من قبل شباب قد لا يمتلكون سيرة طويلة في العمل العام، وضمنه السياسي. لكن خطابهم الإيجابي هدفه تحريك الكتلة الشبابية الخاملة بشكل عام، لتكون فاعلة في العملية الانتخابية المقبلة، سعياً إلى إيصال من يمثلهم إلى "العبدلي"، حيث يتولى الدفاع عن قضاياهم، ويقدم خطاب هذه الشريحة الكبيرة وقضاياها، ويدافع عن مصالحها.
القصة نظريا نبيلة وبرّاقة. لكنها عمليا صعبة ومعقدة، لأكثر من سبب. فأحد هؤلاء الشباب، ممن يرى في نفسه القدرة على إيصال صوت أقرانه ورؤيتهم، ما يزال يجهد لتشكيل قائمة من فئة الشباب، تحمل خطابا جديدا حقيقيا، بعيدا عن الشعارات. إذ لم يتمكن، حتى اللحظة ورغم كل محاولاته ومساعيه، من تحقيق هذه الخطوة الأولى الأساسية للمشاركة في الانتخابات المقبلة. 
فإذا كان المخضرمون، في غالبيتهم على الأقل، لا يسعون إلى حمل شباب طموحين معهم في قوائمهم، فإن كثيراً من الشباب أيضاً غير راغبين في خوض غمار التجربة، غالباً لعدم إيمانهم بالعملية من أساسها، وفقدان الثقة بتفاصيلها. وهذا يعني بالمحصلة أن كتلة مهمّة من الشباب -الذين يشكلون بدورهم مكوناً رئيساً في المجتمع- غير فاعلة وغير نشطة بشأن محطة سياسية مهمة، تعتبرها الدولة خطوة في مسير الإصلاح السياسي الوطني.
لكن كون التجربة عمليا ليست سهلة، إذ تعترضها تحديات كبيرة، لا يلغي حقيقة أن وجود "قوائم شبابية" يشكل بحدّ ذاته رسالة مهمة، إن قدمت برامج ورؤى، ولو كانت بسيطة، تعكس هموم هذه الأجيال؛ فتكون هذه القوائم في الحد الأدنى خطوة راسخة على الطريق الطويلة نحو تجذير مشاركة الشباب الفاعلة. مع التأكيد على بدهية أن تحقيق هذا الإنجاز يحتاج جهدا وطنيا كبيرا من مختلف المؤسسات، ينطلق من أفكار خلّاقة جديدة، بدلاً من تلك التقليدية السطحية.
الشباب المندفعون لفكرة الترشح في الانتخابات المقبلة، يدركون تماماً أن التجربة معقدة، ونتائجها غير مضمونة. لكنهم يعرفون أيضاً أن جيلهم ملّ كل الشعارات الزائفة، كما تلك الشخصيات التي بتنا نعرف مواقفها في مختلف القضايا حتى قبل أن تعلنها.
وهم قبل ذلك يعون أنهم كتلة تصويتية كبيرة، لها أن تؤثر في تحقيق الهدف، إن تمكّن أصحاب المبادرة من إيقاظ حس المشاركة لدى أبناء هذه الفئة، وإخراجهم من حالة الخمول الانتخابي، بجعلهم يعتقدون أن يوم الانتخابات أكثر من يوم إجازة لترتيب رحلة هنا أو "شطحة" هناك، بل هو يوم إحداث الفرق الذي يسعون إليه. ولم لا، والشباب يشكلون 70 % من المجتمع الأردني؟
حركة الشباب وتفاعلهم في العاصمة يبدوان أكبر مما يحدث في المحافظات، التي يكفر شبابها، نتيجة لعدد من الإحباطات، بكل فكرة. كما تراهم، في جزئهم الأكبر، لا يخرجون عن الإطار التقليدي المرتبط بالعشيرة والعائلة؛ ربما لغياب الأطر والأوعية الفكرية التي تستوعب رغباتهم في أن يكونوا جزءاً من التغيير.
بالمحصلة، فإن النخب عجزت تماماً عن تغيير وجهة نظر الشباب بالعملية الانتخابية. وهي بصراحة لا تقدر على لعب هذا الدور وزيادة المشاركة، بسبب أزمة الثقة الحاصلة بينها وبين هذه الفئة، بل وزاد الأداء البرلماني المحبط خلال السنوات الماضية، في تكسير صورة هذه المؤسسة المهمة.
ومن ثم، لا يعد انحيازا غير محقّ القول إن من مصلحة المجتمع ككل أن يذهب بخياراته للشباب، فربما ما عجز عنه "العتاقي" يفلح به المبتدئون.