بحر الكلام

تمنيت لو ان ادارة تحرير الصحيفة أجازت مقال يوم امس كون الحقيقية لا تغطى بغربال، وبذات الوقت اقدر حرصها على تجنب المتاعب، ويمكن تفهم الامر منها، وان اراها اكثر تشددا في مواقفها مما كتبته كون مفهوم السياحة شائك الى حد الحساسية المفرطة في الفرق ما بين سياحة واخرى.
وليكن، فالسياحة ليست امر مهما وهي تخص اساسا اصحاب الدخول العالية كممارسة وهؤلاء هم القلة القليلة اردنيا، وايضا تجار الخردوات في الاماكن السياحة وهؤلاء يحصلون الفتات، وفي المجمل لا يهتم الناس من امر السياحة بمجملها إلا لجهة تفاقم ازمة السير في الصيف بسبب ازدياد عدد المركبات في الشوارع إن كانت لعرب او لمغتربين.
وبدلا من السياحة بالامكان تناول مواضيع شتى من صلب اهتمام الناس، غير ان الحقيقة المرة هي بتذاكي الكاتب الذي يضطر لترك المعنى بين السطور وليس عليها والا لن يجد ما يكتبه النور، ومثالا، لو ان كاتبا قال ان ارتفاع سعر البندورة الى دينار للكيلو يعد سرقة ووجود لمافيات ومحتكرين يتحكمون بما في جيوب الناس فإن نشر ذلك يحتاج الى اجتماع ادارة التحرير التي ستقرر بالنهاية الشطب او اجراء التعديل، في حين لو انه كتب ان ارتفاع البندورة المفاجئ يحتاج الى تدخل حكومي لضبط السوق دون عناء رغم ان الامرين واحد.
والامثلة على الالتفاف بالكتابة تذاكيا من الكثرة بحيث لا تحصى، ومنها لو ان احدا تساءل عن اموال المساعدات للاجئين السوريين وكيف تصرف مشككا لنال منعا، في حين لو كتب أن ما يقدم غير كاف لتشعب المصاريف وطرق توزيعها لكان حاله عاديا علما انه يشكك لكن في الباطن.
ولو ان احدا اراد استعادة مصير معروضات المتحف التي تبين انها مزورة وطالب بكشف الحقيقة فإنه لن يجرؤ على اي اتهام وعليه ان يجد وسيلة لما يريد قوله، ولو ان آخر امتلك معلومات عن عرب او اجانب فإنه لن يجرؤ ان يكون واضحا فيها لأن مصيره سيكون حجزا، كما ان الكتابة عن دول بعينها خط احمر ولو كانت عن فساد في بطولة كرة قدم، وهكذا لأمور شتى.
أما اسهل القول فأن يكون الكاتب مؤيدا او بوقا للحكومات، ومثل ذلك يضعه في مقدمة الصفوف حتى وان علاقته بأحرف الجر لينجر حيثما يتكسب فقط.