غباء المعيشة

حتى اللحظة نضع قدما في الموروث التقليدي العقيم والقدم الثانية في شارع الحداثة البليد ونحاول السير نحو الاصلاح وتجاوز ركام الراهن ومحاكاة العالم المتقدم، فنحن نتحدث عن الحداثة دون الاخذ باسبابها، وننشد الحرية بكل ادوات القمع المتوافرة ونبتكر ادوات زهق الارواح والطموح، نعاقب الناجح على نجاحه ونستكين الى الفاشل وندعمه.
في موسم الانتخابات التي اطلقنا عليها وصفا ساذجا هو "العرس الوطني” وكأننا نقول ان الديمقراطية وحرية الاختيار هو حدث موسمي وليس سلوكا دائما، نمارس فيه اعلى درجات الاقصاء والقمع من خلال محاولتنا الوصول الى الديمقراطية واول اقصاء نمارسه على نصفنا وشريكنا في التصويت "المرأة” الغائب الابرز عن صناعة الحدث، فخلال مراقبة دقيقة لاجتماعات الاجماع على المرشح كانت المرأة غائبة تماما فكل الرجال حاضرون ويتنافسون وينتخبون وكأن صوت المرأة تحصيل حاصل خلف الرجل او ان صوتها صدى صوت الزوج او الاب او الاخ، فلا صوت لها داخل اجتماعات "الاجماع” التي تستثني المرأة من التصويت وما عليها الا الاذعان والقبول لما قرره الصوت الذكوري.
بالمقابل يمكن ان تحدث مجزرة بشرية من اجل حادثة تحرش بامرأة او مجرد رؤيتها مع زميل لها في حرم الجامعة او في مكان عام، حينها تصبح المرأة عنوان الشرف ورمز التجمع البشري، وننسى اننا نطحنها طحنا في باقي ايام السنة وفي باقي المواقف والمواقع فالمرأة كائن استهلاكي في مجتمعنا سواء في العمل او في المنزل او في الشارع.
اتمنى على النساء الغائبات عن جلسات الاجماع مقاطعة الانتخابات من خلال الادلاء بورقة بيضاء في صناديق الاقتراع كموقف واضح على التهميش والاقصاء او ممارسة حق الانتخاب ضمن القناعة الذاتية فزمن الجواري انتهى ويجب ان نقضي على اخر عملية اقصاء للمرأة تتم باسم الديمقراطية والعرس الديمقراطي، فالعرس بمعناه الواضح يحتاج الى "عريس وعروس” وليس الى عريس فقط لان العروس حينها تتحول الى سلعة او جارية ولا اخال نساء الاردن يقبلن بذلك.
مشهد الانتخابات يكشف غباء المعيشة في زمن غلاء المعيشة الطاحن، واعتقد ان غباء المعيشة اقسى على الحالة الوطنية من غلاء المعيشة، فالوضع الاقتصادي يمكن التغلب عليه اذا نجحنا في التخلص من غباء المعيشة التي تقمع كل امال الاصلاح وتعبّر عن مستوى الاحباط والاستهتار الوطني، فما يجري من اعادة تدوير للاسماء او للحالة التي نمارس فيها حقنا الانتخابي تكشف بوضوح بأننا امام عملية تدوير للازمة واعادة انتاجها باسماء جديدة قديمة، فمقعد البرلمان يجري حسمه بين الافخاذ العشائرية مثل دور الماء في صنابير المياه وخطوط ري المزروعات وليس عملا تراكميا يحتاج الى معرفة ودراية وخبرة.
غباء المعيشة قرار طوعي الان بعد وصول مواقع التواصل الاجتماعي الى كل منزل وشخص فآخر الاحصائيات تقول ان هناك سبعة ملايين حساب للاردنيين على مواقع التواصل وربما يزيد عن ذلك، ويستطيع اي مواطن ذكر كان او انثى ان يتواصل مع المحيط الاجتماعي وان يتعرّف ماضي وحاضر كل الاسماء المطروحة وان يراجع مواقفها وسيرها الذاتية وبعدها يقوم بالاختيار.
الاصلاح يبدأ من صناديق الاقتراع سواء الاصلاح الاجتماعي الذي اراه مقدما على الاصلاح السياسي والاقتصادي وهذا يتطلب سلوكا ديمقراطيا في اختيار المرشحين ومعرفة برامجهم وسيرهم الذاتية لقياس مدى التزامهم ومدى توافق اقوالهم مع افعالهم ونبذ مرشح القربى والدم اذا كان غير صالح للاداء البرلماني الذي يقوم على التشريع والمحاسبة والرقابة ونبذ كل مستهتر بارادة الناخب من خلال شراء الذمم بطرود الخير ورحلات العمرة او شراء الاصوات ودون ذلك سنبقى نعاني من غباء المعيشة وغلائها.