فرح مكلوم

رغما عنكم ... سنفرح بالعيد.
الكلمات تجف على عتبات الحناجر ... والشوارع مبللة بالشعارات والفضائيات تنقل صور المظاهرات والسيارات العسكرية تملأ الأسواق لتحميل الأرزاق العسكرية للجيوش العربية التي تنام في وحل الصمت.
أنا جزء من هذا العجز العربي حين أقف كتمثال بوذا لا أستطيع تجفيف دموع امرأة مات ابنها أمامها وهو يحتضن أحلامه وملابس عيد اشتراها ولم يلبسها ... هل ستحملها الملائكة معه إلى السماء حيث يسكن النبيون والشهداء؟!
وطنيتي لا تكفي ...ديني ودعائي لا يكفي ... كلماتي لا تكفي ... قصائدي ولوعتي لا تكفي .. كل الدموع التي نذرفها على مصاطب الموت لا تكفي وأنا أرى شعبي يموت إلى هذا الحد في بقعة ترى كل شيء ولا ترى المخرج.
صمت من الوريد إلى الوريد ... أمام شهداء كبروا في غفلة من جبناء رضوا بأن يكونوا مع الخوالف ومع كل ناعق ومع كل عاجز ... كل العالم عاجز حتى أعتى الدول مجللة بالخزي والعار .
ملعونة أي لغة تدّعي إمكانية وصف ما يجري في فلسطين... أشلاؤنا تملأ الأرض والبحر والموت وحده من يقف عابسا ناظرا إلينا ثابت الجنان .. يا أطفال غزة عاقبونا فنحن مذنبون بحقكم ... نشتم الظالم ونلعن الظلام ونغط في نوم عميق كعمق جراحكم ... ننطفئ كلما اشتعلتم أكثر.
عاشت الأسماك ... ماتت النوارس ... بكت النساء .. صرخ الرجال ... سنقاوم فأحذيتنا لم تتعب بعد من ضرب وجوه السماسرة والمهرجين وشهود الزور وجيوش عربية تتثاءب كل صباح بانتظار إجازة تستمر طويلا حتى يعودوا إلى خيام لم تصنع إلا لباعة متجولين باعوا أوطانهم من أجل حياة لا تسمن ولا تغني من كرامة.
كم أخجل من كوني إنسانا ... مجردا من كل شيء سوى من فم مكمم ويدين لا تصلحان سوى لتغطية ذهول اعترى عينين بكت على طفلة ماتت للتو لا ذنب لها سوى أنها انتظرت العيد يحمل لها الملابس والهدايا ... فأتى إليها الصهاينة يحملون لها الموت والتشريد والقصف والدمار .
أين يقع الله في قلوبنا ونحن لا نحرك ساكنا أمام كل هذا الموت الذي يجتاح وطنا كبيرا من محيط الروح إلى خليج القلب .. أين نحن أمام أصابع مبتورة تخط على شواطئ دموعنا سنفرح بالعيد.
أُخيتي وفاء ... سعاد ... تغريد ... إيمان .. تنحني كل القامات وتحترق كل المدن وانتن تُخرجن من تحت الأنقاض بقايا أجسادكن وملابسكن تستقبلن عيدا يأتي بفرح شهدائنا وخزي أسراهم ...
فالصدمة لم تكن كافية لكل الزعامات التي تختبئ وراء صمودكم وانتصاراتكم ... انتصارا يليق بشعب قاوم وما زال يقاوم رغم الأسر ... رغم القهر ... رغم ظلم ينمو في رحم صمتنا .
سنفرح بالعيد رغما عنكم ... وسيوصلني البحر إلى فلسطين... هل قلتم لن يوصلني البحر ... سأحمل البحر وأموت من أجل فلسطين .