إتفاق أنقرة مع تل أبيب

أسقط إتفاق أنقرة مع تل أبيب ، وتفاهماتهما زيف المبادئ ، وأوراق الأدعاء التركي بالانحياز للشعب العربي الفلسطيني ضد المشروع الإستعماري التوسعي الإسرائيلي ، فالاتفاق أمني وسياسي وإقتصادي بين الصديق التركي وبين عدو الشعب الفلسطيني الذي يحتل أرض الفلسطينيين ويسرق حقوقهم ويتطاول على كرامتهم ، وقد توصلا إلى الاتفاق بدون أن يشعر أي منهما بالذنب أو الحرج أو التردد ، ولذلك إستدعت أنقرة خالد مشعل رئيس حركة حماس ، وإتصلت بالرئيس محمود عباس وأبلغتهما مضمون الاتفاق بهدف إزالت الحرج عنها على أثر التوصل لأتفاق مع الإسرائيليين من خلف ظهر " صديقها " الفلسطيني .
الرئيس أردوغان يتباهى أن الاتفاق مع الإسرائيليين يخدم المصالح التركية أمنياً وسياسياً وإقتصادياً ، وهو يفعل ذلك مثل الجزار الذي يذبح ذبيحته بعد أن " يُسمي عليها " حتى تتوفر له شرعية الاجراء والذبح الحلال ، ولهذا أبلغ الفلسطينيين بالاتفاق ، لأن الاتفاق يخدم المصالح التركية ، وهو محق بذلك وغير ملام على فعل ذلك طالما هو " فوق الشبهات " كما وصفه د . أحمد يوسف نيابه عن حماس .
أردوغان قائد سياسي لحزب سياسي ونجح في الانتخابات السياسية البرلمانية والرئاسية ، وأدار تركيا بعزيمة سياسية وببرنامج سياسي ، مثله في ذلك مثل القائد الاعلى للثورة الاسلامية ، مرشد ولاية الفقيه علي خامنيئي ، الأول مخلصاً لمصالح تركيا والثاني مخلصاً لمصالح إيران ، ولا يختلفون عن أبو بكر البغدادي الذي قاد حركته السياسية وإستولى على السلطة غرب العراق وشرق سوريا ، وأزال الحدود بينهما ، وأقام دولة بعد أن أعلن " الخلافة الاسلامية " تعبير عن فهم سياسي ونوعية نظام حكم ، وقاتل بشراسة وذبح وأعدم خصومه ، بهدف الحفاظ على سلطته ونظامه وخلافته ، ووظف مال البنوك التي إستولى عليها ، والبترول الذي باعه بأرخص الأسعار في السوق السوداء ، وفرض الضرائب كي يوفر لجنوده الرواتب والاحتياجات ، وهكذا يمكن التلاعب بالألفاظ والكلمات لدى كافة الأطراف السياسية الفاعلة في المنطقة على حساب العرب وحقوقهم ووحدتهم ، والهدف واحد هو الوصول إلى السلطة ومؤسسات صنع القرار ، سواء تم ذلك عبر الانتخابات كما حصل مع أردوغان التركي ، أو محمد بديع مرشد الاخوان المسلمين ورئيسه محمد مرسي في مصر ، أو مرشد ولاية الفقيه في إيران ، أو من خلال الثورة والعمل المسلح كما فعل الخليفة أبو بكر البغدادي ، أو عبر الوسيلتين كما فعلت حماس في المزاوجة بين الانتخابات كمرحلة أولى عام 2006 ، و” الحسم العسكري " في المرحلة الثانية عام 2007 لتضمن البقاء والتفرد أسوة بالاخرين .
أردوغان لم يكن منفرداً في التفاهم المعلن مع الإسرائيليين ، فقد سبقه الرئيس الاخواني محمد مرسي بالاتفاقات الدولية التي ورثها نظامه الاخواني عن نظامي السادات ومبارك ، بما فيهم إتفاق كامب ديفيد ، الذي كان يهاجمه الاخوان المسلمون ولعنوا سنسفيل الذي وقعه قبل وصولهم إلى قصر الاتحادية ، ولكنهم إلتزموا به وبات مقبولاً مستصاغاً لا حرج عندهم منه وفيه بعد أن أصبحوا في موقع القرار السياسي المصري ، وتأكيداً على ذلك وصف الرئيس محمد مرسي شمعون بيرس رئيس المشروع الإستعماري التوسعي الإسرائيلي ، على أنه " صديقي العزيز " وهو ثمن التمتع بإمتيازات قصر الاتحادية والوصول إلى السلطة ، والحرص على النظام والبقاء في قمة السلطة والحفاظ عليها .
أحزاب التيار الاسلامي سواء كانوا من الاخوان المسلمين ، أو يتبعون ولاية الفقيه ، أو يحكمون تركيا العلمانية السنية ، أو إيران الشيعية المغلقة ، وسواء كانوا في غزة أو القاهرة ، أو يقودون الثورة في سوريا أو اليمن أو ليبيا أو الصومال أو العراق ، فالجذر واحد والهدف واحد وهو الوصول إلى السلطة والتحكم بسلطة إتخاذ القرار ، لا يؤمنون بالتعددية ولا يقرون بتداول السلطة ، ويغيرون ويبدلون في مواقفهم وسياساتهم ، المهم أن يبقوا في السلطة ويحافظوا عليها ، ويتحكموا بمفاصلها .
إتفاق أنقرة مع تل أبيب وصفه الصحفي بن درور يميني في يديعوت أحرونوت يوم 30/6/2016 على أنه " أحد أهم الاتفاقات التي وقعتها إسرائيل في السنوات الأخيرة " ويجيب الصحفي اليساري الإسرائيلي على ذلك جدعون ليفي بقوله على صفحات هأرتس يوم 30/6 " الاتفاق مع تركيا يجب أن يُفرح كل إسرائيل ، والسبب أن دولة إسلامية تتصالح مع إسرائيل " العرب يمارسون الحروب البينية فيما بينهم ، والمسلمون ينقسمون بين سني وشيعي ، وعدوهم القومي والديني المشروع الإستعماري التوسعي الإسرائيلي يتمتع بالأمان والتوسع وغزو إفريقيا ، على حساب الفلسطينيين وأرضهم وحقوقهم وكرامتهم فهل ثمة إنهيار وهزيمة للعرب وللمسلمين أكثر من ذلك ؟ .