كان يا مكان


كانت السنابل تتزاحم على عناقي عندما كنت أسير في هذا المكان . وتنافسني طولا. وتسير كالموج عندما تهب نسمة هواء . ترقص وتتمايل على أنغام العصافير التي تجوب السماء . كانت مواسم مفرحة مطمئنة بالخير والبركات . أعشاش العصافير تملا الحقل ويبحث عنها الصبيان في كل مكان . وروائح زكية تفوح من كل مكان رائحة الشيح والقيصوم شفاء من كل سقام . وشربة ماء من فخار تثلج الصدر والأوتار. وشروق شمس تحيي الآمال . وغروب فيه متعة وخيال. لا أصوات حرب ولا قتل ولا دمار.

أسير اليوم في نفس المكان . ..!!!! شارع كله حفر ومطبات . ولولا المطر الأوساخ فيه طبقات . تفوح في كل مكان رائحة الديزل والبريكات. وزوامير وصراخ البشر وبوق التريلات . لا تستطيع رؤية الشمس من ارتفاع البنايات . ماتت متعة شروق الشمس وغروبها . وازدحم الشارع بالبنقاليات . طوابير العمال متعددة الهويات . لا هدوء ولا سكون ولا خيول ولا مضافات .شارع أصبح لا ترى فيه إلا الحاويات . وازدحام السيارات . والكثير مطاطي رأسه وأذنيه مغلقات . والغريب معظم بناطيلهم ممزقات . ونساء كاسيات عاريات . وانتشرت ظاهرة أسنام البخت بين الفتيات.

هذا ما تريدون أيها البشر وتسمونه تقدم الحضارات . ارتفع فيها نسبة الظلم والقهر والاستبداد والفساد. ونسبة جرائم القتل والاغتصاب وهدم المعنويات . وكثرت فيها أنواع المشروبات. وتلون البشر وضاعت الأمانات. ودمرت المجتمع الانتخابات .