عيــد آخــر

هل كان سيكفي أن تشيح بوجهك عن درب عيد سيجيء أعرج أبتر تثقله الأحزان؟!. هل كان سيكفي أن تدعه يمر لأنه لم يعد يعنينا؟!. هل كان سيكفي أن تشيح بوجهك عن فضائيات تعجُّ بالدم والبارود ومؤتمرات لا يملؤها سوى كلام ممجوج؟!. هل كان يكفي أن تخبئ دمعتك في حضن كفيك، كي لا يراها أطفالك المتلهفون لعيدهم البريء؟!.
الحياة تنتصر بإرادتها دوماً، ولهذا سنؤوب إلى أحضان طفولتنا الدافئ، فهناك ما زلنا نكنز في ذاكرتنا مشاهد حميمة عن أفراح ومسرات لم تنضب بعد. فهل سيجدي فرحاً أن نستعيد بعض صورنا من طفولة فرّت من بين أصابعنا كحفنة ماء؟!.
كنا ننام باكراً مثل عصافير المطر، علَّ العيد لا يتلكأ في المجيء، ويأتينا راكباً نجمةً سريعة، ويترك سلحفاءه التي اعتاد أن يمتطيها في الأعياد الماضية!!. لماذا تتأخر الأعياد دائماً؟!. ولماذا نتلعثم بلهفة حينما يداعبنا طيفها القديم، حتى لو صرنا آباء لأطفال تشاغلهم ثياب العيد.
كأنك في حلم: تفتح عينيك على عجل، فتتلقفك المآذن بتكبيراتها، فترمي طرف اللحاف، لتأخذ نفساً بشهقتين؛ لتسحب كل غيوم القهوة العابقة في سماء البيت؛ فلا شيء يشعرك بالعيد إلا القهوة وهيلها الفواح!؛ فكل عيد لا يبتدئ بالقهوة لا يعول عليه، فتهرع إلى جدك المترنم بدق المهباش قرب موقد النار، بعد أن يلقمه حفنة من البن المحمص، فتراقصك النغمات والإيقاعات، وتنسى أن تغسل بقايا النوم عن جفنك، وتطير للعيد بأجنحة من شوق وصخب.
وكم كنت ستفرح إن طلت تلك البنت النعومة، بشعرها المجدول كذيل فرس جموح، فتعرض عليها أن تؤرجحها بأرجوحتك المنصوبة بجذع توتة البيت؛ فتقبل البنت، وتطير كسحابة عطر، وتطير معها السنون ونشيخ، وما زال في البال ذيل فرس مجنون يلوح بأرجوحة العيد!.
في كل عيد يعجبني أن أبقى طفلاً، ينسى هفوات أصدقائه ومعارفه وأقاربه. لا بدَّ سأنسى، أو أتناسى، فنحن في هذا الوقت المهرمن، نحتاج لنسيان أخطائنا أو تناسيها، أكثر من حاجتنا أن نصفح عنها!.
يحزنني أن الهاتف هو صلة الوحيدة، وأن رسالة قصيرة منه تغني عن زيارة؟!. فلماذا يربضُ كلّ واحد منا في بيته ويتمترسُ جوار غروره وأوهامه، بأنه مهمٌّ، بل إنه الأهم، فلا يخرج لزيارة أحدٍ، بحجة أن الآخرين سيأتون؟!!. دعونا نبادر ونتشارك، ونكبِّر فينا أمل عيد لا بدَّ وسيأتي محملاً بالفرح والهناء.

- See more at: http://www.addustour.com/17999/%D8%B9%D9%8A%D9%80%D9%80%D8%AF+%D8%A2%D8%AE%D9%80%D9%80%D8%B1.html#sthash.dJpU7LE8.dpuf