كيف نقضي على اسرائيل بالفول المدمس؟

الجزء الاول :- قادتني قدماي لمطعم هاشم الشعبي الشهير بوسط البلد بالعاصمة الاردنية عمان عام 1985 وكنت حينها طالبا بالتوجيهي الثانوية العامة ، دلفت الى قاعة الطعام التي كانت تتسع لخمسة طاولات على كل منها اربعة كراسي بلاستيكية وتعج كلها بالزبائن من البسطاء والدهماء لطلاب الجامعات والموظفين وعلية القوم كما تدل عليهم ملابسهم ، وجميعهم يزدردوا اطباق الحمص والفول والمسبحة مع زيت الزيتون والشطة والبصل والنعناع الاخضر يزين الاطباق الشهية ، وانتظرت واقفا ان يفرغ احد الكراسي تمهيدا للوصول بمعدتي الخاوية لطبق الفول الشهي .

كانت القاعة تعج بعشرات المقالات والصور المعلقة على الحائط لفنانين عرب وسياسين اردنيين ومقالات لكتاب تحدثوا عن تجاربهم مع اطباق العم هاشم الشهية ، فأستوقفني مقال بعيد نسبيا عني بعنوان :-(كيف نقضي على اسرائيل بالفول المدمس ؟) لم اتبين فحوى المقال لبعده عن ناظري وشعرت بالخجل من الاقتراب للطاولة المعلق فوقها حتى لا يشعر روادها بمزاحمتي لهم واستعجالي رحيلهم قبل الانتهاء من اطباقهم الرائعة .

وبالفعل فرغ كرسي قريب مني فجلست رغم ان دافع الفضول لمعرفة فحوى المقال بقي يستفزني حتى اني لم اشعر بعامل المطعم الا وهو يرفع صوته مستفسرا عن طلبي فقلت له : هات لي طبق المسبحة وعلية فول وكوب شاي وفلافل ومارست طقوسي الخاصة بالبسملة ثم تناول الطعام بشهية ونهم ونسيت قصة اسرائيل والسلاح الجديد للقضاء عليها .

كانت عقارب الساعة تشير للحادية عشر ليلا فركبت سرفيس جبل اللويبدة لاعود لمدرستي بالقسم الداخلي بكلية الشهيد فيصل الثاني وتلقيت توبيخا من المعلم المناوب لتأخري عن العودة بعد التاسعة ليلا واستلقيت على فرشتي لاعود بمخيلتي عن فحوى المقال الغريب بالمطعم هذه الامسية واستغرقت بنوم عميق تخلله بعض الكوابيس عن اسرائيل وحروبها ومجازرها التي لا تنتهي بحق الامة العربية ،قطعه صوت المعلم بالصحيان على طابور الرياضة الصباحية في اليوم التالي .

الجزء الثاني :-
استيقظت صبيحة اليوم التالي بمدرستي بمنطقة العبدلي بالعاصمة الاردنية عمان وكنت ذكرت بالجزء الاول قصة تناولي عشائي بالمطعم الاردني الشهير (هاشم) للفول والحمص وكانت على جدرانه مقاله بعنوان (كيف نقضي على اسرائيل بالفول والحمص ؟) .

مارست حصة الرياضة الصباحية بساحة المدرسة وكنت ارى حركة السيارات وهي تنساب من العبدلي لوسط البلد وعلى الجهة المقابلة للمدرسة كانت بناية بنك الاسكان ومقابلها مسجد الملك عبدالله وهو المسجد الرئيس التي تقام به صلاة الجمعة المتلفزة ، وكان مدير المدرسة قد حضر بالصباح الباكر وطلب منا اداء حركة الضغط (بوش اب ) اضافة للهرولة ونحن بلباس الفوتيك العسكري مما اشعرنا بالجوع مجددا .

ثم الذهاب للثكنة المعدة كنادي للطعام والافطار على الزبدة والحلاوة وكوب الشاي وبرفقتنا طلبة القسم الداخلي بالمدرسة وغالبيتهم ابناء شهداء من المناطق الريفية القصية بالاردن ، كانت تحيط بالمدرسة مجموعة من البنايات كفلل وشقق طابقية لحي اللويبدة الراقي والتي كانت تفصله الكلية عن حي العبدلي .

وكان ابرز الجيران الاعلامي الاردني المرحوم رافع شاهين الذي كان ينهرنا للعودة للمدرسة لابل كانت خادمته الفلبينية (وجدان) تقوم بالامر نيابة عنه وتخبره باسمائنا فهي شديدة الذكاء وكانت تعرف اسمائنا جميعا ، وذلك اذا كنا متسربين بفترة ما بعد العصر باتجاه الحي الراقي املا بأمسية رومانسية بحديقة اللويبدة حيث يرتادها كثير من العائلات والغيد الحسان .

ظل هاجس المقال يتردد صداه في اعماقي وخصوصا ان تلك الفترة 1984 كانت على بعد سنتين من مجزرة صبرا وشاتيلا والخروج الفلسطيني الحزين من بيروت على ظهر باخرة أقلت المقاتلين الفدائيين برفقة الختيار ابو عمار لتونس برحلة الهجرة للنوارس ذات الحق الضائع وفردوسهم (فلسطين الحبيبة السليبة) الذي ابتلعته الة الحرب الصهيونية منذ مذبحة دير ياسين عام 1948 وحتى مجزرة صبرا وشاتيلا فهل للفول المدمس بعلاقة بهذا الامر ؟.

هرعنا قبل طابور المدرسة لجولة نظافة حول مباني المدرسة وبين اشجارها الحرجية وكانت فرصة لبعض الرفاق للذهاب خلف منطقة الحمامات (دورة المياه) للتدخين بمخالفة صريحة لتعليمات المنع الشديدة لهذه العادة الكريهة والتي امقتها للساعة مقتا شديدا واحاربها بشدة ،ثم الدخول لطابور (طبقي بعض الشيء) حيث يتقاطر طلبة القسم الخارجي بواسطة السيارات التي يقودها سواقين عسكريين كون كثير من الطلبة ابناء لباشاوات (كبار ضباط الجيش الاردني ) وبعض علية القوم في العاصمة عمان من البرجوازية ذات الاصول الفلسطينية والشامية من ابناء التجار الاثرياء وكبار موظفين الحكومة ، ممن وجدوا ضالتهم في هذه الكلية (المدرسة الثانوية ) رفيعة التقاليد الاكاديمية ، وتتبع لمديرية التربية والتعليم والثقافة العسكرية حيث المعلمون برتبة ضباط وغاية في اتقان مهنتهم التربوية التعليمية المقدسة .

كانت البداية مع ايات قصيرة من القران الكريم وسورة الفاتحة ثم السلام الملكي الاردني الذي ترفع على انغامة الراية عالية خفاقة بيد احد التلاميذ بواسطة حبل وبكرة على السارية العالية ، وهي علم المملكة الاردنية الهاشمية ثم كلمة قصيرة لمدير المدرسة الرائد ابو فواز ذي الاصول الدرزية بصوته القاصف كالرعد حيث لم يكن بحاجه لاستخدام ميكروفون الاذاعة المدرسية وتصل الاثارة ذوروتها حينما يخطبنا لمدة ربع ساعة عن مضار التدخين مثلا وهو يمسك بورقة بيدية ثم يقلبها امامنا لنكتشف انها ورقة بيضاء على الوجيهن خالية من اي كلمة تفوه بها .

ولعل من اجمل نصائحه لا تحصل على معدل ما بين 50-60 لانك لن تنال به الا وظيفة زبال بأمانة العاصمة بهذه الدرجة المتوسطة فالرسوب اشرف من عدم تحصيل مقعد جامعي ولكم مارس علينا اشد الضغوطات الابوية بمنتهى الحكمة لتحصيل العلامات التي تحقق لنا طموحاتنا بالدراسة الجامعية وهو الامر الذي لم افلح بالوصول له ، كوني حصلت معدل بدرجة متوسطة ولكني لم اعمل بنصيحته زبالا بالامانة بل كانت لي مع القدر جولات بوظائف اخرى لم تكن ضمن اجندة مديري العزيز واسرتي البعيدة في الريف الاردني أو انا شخصيا ولكنها المقاديرالغادرة بكثير من محطات قطار حياتي الذي طالما خرج عن سكته المعتادة .

كانت الحياة في المدرسة رتيبة مملة بالنسبة لي ولم يكن الفرع العلمي الذي اختارته لي العائلة قسرا وكرها يحقق لي ابراز مواهبي الادبية وحبي لحصة الانشاء والتاريخ والجغرافيا مما حداني لنبذ التحصيل والدرس والدراسة للعلوم والكيمياء والاحياء والفيزياء ، رغم انني كنت وللامانة حينما اعقل ما يقول احد مدرسي هذه المواد فلا انسى شرحه الماتع .

ولا زلت اذكر مدرس الكيمياء بالصف الثاني الثانوي العلمي عام 1984 وهو الاستاذ (الملازم ثقافة عسكرية ) محمد عبدالله كليب الشريده شارحا مصطلح طاقة التنشيط ومثاله الحي عنها هو تمرير عود الثقاب على طرف الكبريتة فيكون الاحتكاك السابق للاشتعال هو هذا المعنى راجيا ان ان تكون هذه الحلقة طاقة التنشيط لروايتي التي امل بقرائتها بيقظة وحذر واثرائها بالردود المناسبة من الاخوة والاخوات الاعضاء لاعطائها البناء الروائي والمعمار الهندسي لاسلوبها ولغتها المناسبة لها فردود افعالكم مرحب بها بشدة وهي المصباح المنير لدجى هذه الحلقات المتتالية بعون الله ولا بد من صنعاء وان طال السفر طاب مسائكم جميعا قرائي الاعزاء ولا تنسوا تناول الفول المدمس (ههههه) على العشاء عند مطعم العم هاشم ويا هلا بيكم بعمان العرب .