بعض ما يقوله الأتراك والإسرائيليون عن الاتفاق الأخير -

كيف تنظر إلى هذا الموضوع من المكان الذي تجلس فيه؟ ترجمة حرفية لسؤال كثيرا ما يوجه في وسائل الإعلام الأجنبية بما معناه: ما رأيك في هذه المسألة من زاويتك أو من وجهة نظرك، التي تعني ضمنا قناعاتك ومصالحك وغير ذلك من المؤثرات الذاتية والموضوعية؟
تتجلى وجاهة هذا السؤال «الغربي» حاليا في الحكم على الاتفاق التركي الإسرائيلي الأخير الذي توج ثلاث سنوات من التفاوض وأنهى ست سنوات من القطيعة. لم ينظر أحد تقريبا إلى هذا الاتفاق إلا من زاوية حكمه السابق على رجب طيب أردوغان وسياساته. إلتمس له المعجبون الأعذار وحاولوا تفهم الظروف الداخلية والخارجية التي دفعته أو حتى أجبرته على خطوة كهذه، فيما لم ير فيها معارضوه إلا تأكيدا لسياساته الفاشلة وكثير من هؤلاء لم يقولوا ذلك إلا نكاية بموقف الرجل من نظام الأسد بالتحديد.
لن يفيد كثيرا التوقف عند هؤلاء ولا أولئك، وكثير منهم من غير الأتراك والإسرائيليين، لأنهم إما معجبون مستاؤون لكن متفهمون أو مناهضون مسرورون وشامتون. لهذا من الأفيد استعراض بعض الآراء التي قيلت، إلى حد الآن، من إسرائيليين وأتراك لا غير حاولوا النظر إلى الاتفاق في سياق إقليمي ودولي أوسع يحاول بالخصوص توقع المستقبل.
لنبدأ بإسرائيل إذ يقول المعلق السياسي تسفي برئيل إن اتفاق المصالحة بين إسرائيل وتركيا يمثل المصالح المشتركة بين الدولتين فتركيا «صحيح تنازلت وتراجعت عن مطلبها رفع الحصار عن غزة بصورة كاملة، لكن التنازل التركي لا يعني إنجازاً إسرائيلياً» ويشرح ذلك بأن الاتفاق «سيجعل تركيا تظهر وكأنها الدولة الوحيدة التي ما تزال تقلق على مصير مليون و800 ألف مواطن في غزة».
وردا على تعليقات إسرائيلية، وحتى تركية، رأت أن «اتفاق المصالحة بين إسرائيل وتركيا سيعزز التعاون بين إسرائيل والدول السنية المعتدلة ودول الخليج ما عدا قطر بمواجهة الخطر الإيراني»، قال يوسي ميلمان «ممنوع أن نغرق في الأوهام، فالعلاقات الإسرائيلية – التركية لن تعود إلى ما كانت عليه قبل أكثر من عقد، وبالتأكيد ليس إلى ما كانت عليه قبل عقود» مؤكدا أن «من يتحدث عن نشوء محور جديد يتألف من أنقرة – القدس، ويمكن توسيعه بحيث يشمل قطر والسعودية لا صلة له بأرض الواقع».
أما عاموس هرئيل فذكر في مقال تحت عنوان «اتفاق المصالحة مع تركيا يمكنه المساعدة على تأخير الحرب القادمة في غزة» ذلك أن توقيع الاتفاق من شأنه أن «يجدد العلاقات مع تركيا ويوفر لإسرائيل قنوات اتصال مع قيادة حماس في كل من غزة ومصر وقطر» مؤكدا أن «المصالحة لن تصل إلى درجة إعادة التدريبات الجوية المشتركة لسلاحي الجو في البلدين، كما حدث في سنوات التسعينيات، ومن المشكوك فيه ان يقود إلى استئناف واسع لصفقات الاسلحة». وأشار الكاتب إلى أن «الميزة الأساسية التي يتوقعها البلدان هي صفقة بيع الغاز الإسرائيلي واتساع السياحة (..) بل ربما يصبح بالإمكان في المستقبل دفع فكرة انشاء ميناء في غزة بواسطة اقامة جزيرة اصطناعية، كما يقترح وزير المواصلات يسرائيل كاتس».
أما في تركيا فقد اعتبر مثلا المحلل السياسي باكير أتاجان أن المصالحة بين تركيا وإسرائيل «تخدم مصالح إسرائيل الاقتصادية من جهة ومصالح تركيا السياسية من جهة ثانية، لاسيما في ظل دعم تل أبيب للحركات الانفصالية في تركيا وعلى رأسها حزب العمال الكردي، حيث شمل هذا الدعم المجال المالي والعسكري والسياسي بالاتفاق مع الولايات المتحدة والدول الغربية، كما تدعم إسرائيل حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في شمال سوريا، وهو الذي يهدد بصفة مباشرة أمن واستقرار تركيا، وبالتالي من مصلحة تركيا الاستراتيجية أن تتوقف هذه التهديدات وأن تكون لها علاقة مباشرة مع إسرائيل».
أما الكاتب والمحلل السياسي محمد زاهد غل فيرى أنه «لا يمكن القول بأن الاتفاق الإسرائيلي التركي لبى ما كان يتمناه أهل غزة أو غالبية الشعب التركي، وهذه حقيقة يجب أن نعترف بها قبل كل شيء» لكن «تركيا حصلت على امتياز تقوم من خلاله بإدخال البضائع إلى القطاع»، مبينا أن «تركيا ستصبح جسرا لمرور المساعدات الإنسانية إلى غزة، وحتى تلك القادمة من دول أخرى». ومن أهم ما قاله غل أن «هناك ملامح سياسة خارجية جديدة في أنقرة بعد خروج أحمد داود أوغلو، سواء فيما يخص العلاقات مع إسرائيل أو روسيا وحتى مع مصر، مبرزا أن «التغيير سيشمل أيضا تدبير الملف السوري، بدليل التغييرات التي حصلت مؤخرا في الأجهزة الأمنية ومسؤولي الملفات المتعلقة ببعض الدول، وهذا يعني أن رياح تغيير حقيقية بدأت تهب على السياسة الخارجية التركية».
ما سبق مجرد عينة من آراء تريد أن ترى أبعد من مجرد المصالحة بين تركيا وإسرائيل فميما ينشغل كثيرون في إبداء عواطفهم تجاهها وهي عواطف لا تقدم ولا تؤخر للأسف.

٭ كاتب وإعلامي تونسي