لماذا ارتاحت «إسرائيل» لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي

على الرغم من التزام الكيان الصهيوني الصمت إزاء تأييد البريطانيين انسحاب بلادهم من الاتحاد الأوروبي، إلا أن قادة هذا الكيان يرون في الواقع أن هذا التطور يخدم مصالح تل أبيب ويحسن من قدرة نخب اليمين المتطرف التي تدير دفة الأمور في تل أبيب على المناورة في الساحتين الإقليمية والدولية.
فمما لا شك فيه أن تل أبيب تشعر بارتياح كبير إزاء انسحاب بريطانيا لأنها تراهن على أن تمثل هذه الخطوة بداية النهاية لهذا النادي الذي تسببت بعض القرارات الصادرة عنه الكثير من الحرج للكيان الصهيوني، ولا سيما قرار "تمييز" البضائع الصهيونية التي تنتجها المستوطنات اليهودية في الأراضي الفلسطينية المحتلة من أجل تشجيع المستهلك الأوروبي على عدم اقتنائها.
وبشكل عام، فإن الكيان الصهيوني يرى أن القرارات التي يتخذها الاتحاد الأوروبي بشكل عام بشأن الصراع تتعارض مع المواقف الصهيونية وتعد أقرب للموقف الفلسطيني؛ ناهيك عن الضرر الإعلامي الكبير الذي تعرضت له تل أبيب بفعل تسليط الأضواء على البيانات التي أصدرها الاتحاد الأوروبي، والتي تضمنت معطيات حول مظاهر العدوان التي يتعرض له الفلسطينيون من قبل الحكومة الصهيونية والمستوطنين... تأمل تل أبيب أن يفضي تفكك الاتحاد الأوروبي المتوقع إلى تراجع المواقف الأوروبية التقليدية من الصراع، مثل تأييد إقامة دولة فلسطينية، ورفض بقاء المستوطنات وغيرها من مواقف، والتي لا تبدي الدوائر الحكومة والحزبية الصهيونية أدنى استعداد للتعامل معها. وتراهن الدوائر الصهيونية، ولا سيما اليمينية على أن يفضي الانشغال الإعلامي والسياسي داخل أوروبا بتداعيات خروج بريطانيا من الاتحاد إلى إسدال الستار على المبادرة الفرنسية، التي تعارضها حكومة اليمين المتطرف في تل أبيب بشكل قوي. فقد وفرت نتائج الاستفتاء البريطاني على الكيان الصهيوني مواصلة القيام بكثير من الجهود الدبلوماسية والسياسية من أجل التصدي للمبادرة الفرنسية. ولا حاجة للتذكير أن رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو بذل بالفعل جهوداً كبيرة من أجل قبر المبادرة الفرنسية. فقد بات في حكم المؤكد أن ما يسمى بـ "المبادرة المصرية" التي عبر عنها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في خطاب أسيوط قد هدفت إلى نزع الشرعية عن المبادرة الفرنسية، وجاءت بطلب من نتنياهو.. في الوقت ذاته، فإن تفكك الاتحاد الأوروبي يساعد الكيان الصهيوني على إدارة علاقاته مع أوروبا بشكل أفضل، حيث تبين للصهاينة أن تل أبيب بإمكانها أن تدير علاقاتها بشكل منفرد مع كل أوروبية بشكل أفضل من قدرتها على إدارة هذه العلاقات مع الاتحاد الأوروبي، كمؤسسة جامعة للأوروبيين.
وعلى صعيد مستقبل العلاقات مع بريطانيا بشكل خاص، فإن فرص وصول بوريس جونسون، عمدة لندن السابق إلى رئاسة حزب المحافظين؛ وبالتالي رئاسة الحكومة البريطانية في أعقاب إعلان رئيس الوزراء الحالي دفيد كمرون استقالته، يعد مكسباً كبيراً لإسرائيل، ولا سيما لليمين المتطرف؛ وذلك بسبب مواقف جونسون المؤيدة بقوة لإسرائيل.
وبشكل عام، فإن نتائج الاستفتاء أضفت مصداقية على رهان نخب الحكم اليمينية في تل أبيب على العلاقات والتنسيق مع الأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا. فكما هو معروف، فإن هذه الأحزاب تؤيد بشكل تقليدي فكرة تفكيك الإتحاد الأوروبي، وبالتالي فإن تل أبيب تنطلق من افتراض مفاده أن تفكك الاتحاد الأوروبي سيفضي إلى وصول قوى اليمين المتطرف في الحكم مما يعني تحسين العلاقات مع تل أبيب بشكل غير مسبوق.
ويعود حماس الحكومة الصهيونية والأحزاب اليمينية المشاركة فيها إلى تدشين قنوات اتصال مع قوى اليمين المتطرف في أوروبا؛ لأن هذه القوى تتبنى بشكل تقليدي مواقف متطرفة مع العرب والمسلمين. وترى الكثير من الأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا في الكيان الصهيوني بشريك لها في مواجهة المسلمين.
في الوقت ذاته، فإن تل أبيب تراهن على دور الأحزاب اليمينية المتطرف الأوروبية في مساعدتها في مواجهة حركة المقاطعة الدولية "BDS"، حيث ترى الكثير من المحافل الصهيونية أن نتائج الاستفتاء البريطاني ستعزز من دور اليمين المتطرف في أوروبا، وبالتالي يتعاظم الدور الحاسم الذي يقوم به في إسناد تل أبيب.
من هنا، فلم يكن من سبيل الصدفة، أن يقوم هينس كريستيان شتراكا زعيم حزب "الحرية"، الذي يمثل اليمين المتطرف في النمسا بزيارة للكيان الصهيوني هي الخامسة التي تتم في غضون عامين، وذلك بدعوة من حزب الليكود الحاكم. فقد قام اشتراكا بزيارات "تضامنية" لمستوطنات الضفة الغربية، حيث هاجم بشدة قرار الاتحاد الأوروبي تمييز منتوجات المستوطنات.