هل نتعلم من الأوروغواي...؟!

لو نظرنا الى الأوروغواي التي تعتبر من أصغر الدول في أمريكا اللاتينية، وقارنا بينها وبين الأردن الدولة ذات التاريخ العريق، وجاءت المقارنة عن طريق معدل دخل الفرد، ونسبة الأراضي الزراعية المستغلة، ومعدلات الفقر والبطالة، والقوة الإقتصادية بين الدولتين، لوجدنا أن هناك مفاجئات ربما تصعق القارىء تصب في مجملها لصالح أوروغواي؛ الدولة التي صنف رئيسها على أنه الرئيس الأفقر على وجه الأرض.
تُعد الأوروغواي من أصغر الدول في أميركا الجنوبية، إلا أنها تحظى بمكانة اقتصادية مميزة، وتعتبر من أكثر الدول نمواً في أمريكا الجنوبية؛ إذ يرتفع فيها دخل الفرد من الناتج المحلي الى أكثر من 12 ألف دولار منذ أعوام 2008 ولغاية 2010 وزادت النسبة خلال حكم الرئيس خوسيه موخيكا الى ضعف المبلغ المذكور في السنة، وقد بلغ راتب الرئيس حوالي 12 ألف دولار شهرياً، واستطاع الرئيس السابق الاستغناء عن معظم راتبه لصالح الفقراء، وأبقى جزءً من دخله الشهري لا يتجاوز 1200 دولار يمكنه من العيش كغيره من ذوي الدخل المتوسط، وهذا يدل على أنه يمكن للمواطن في الأوروغواي أن يعيش بدخل لا يتجاوز الألف دولار شهرياً.
تتبوأ الأوروغواي مكانة مميزة في محيطها على صعيد تحقيق العدالة الاجتماعية من حيث انخفاض معدلات الفقر، إذ بلغ الناتج المحلي الاجمالي للأورجواي 57 مليار دولار، بنسبة نمو 3.5 %، معتمدين هناك على الزراعة بالدرجة الأولى، وعلى الصناعة، والسياحة، والخدمات، ووفقاً لمؤشر التنمية البشرية التابع للبنك الدولي؛ حققت أورغواي مستوىً عالٍ من تكافؤ الفرص من حيث الحصول على الخدمات الأساسية مثل التعليم، والمياه النظيفة، والكهرباء، والصرف الصحي، كما تعد نسبة الطبقة المتوسطة الأعلى في البلاد، وحققت الدولة درجات عالية على عدة مقاييس للرفاهية.
في العام 2013 صنف البنك الدولي الأورغواي كدولة ذات دخل عالي يضاهي معدل الدخل في الولايات المتحدة، ويغطي نظام التقاعد حوالي 87٪ من السكان فوق سن 65 عاماً، وهي نسبة من بين أعلى المعدلات في أمريكا الجنوبية، مع انخفاض في نسبة الفقر من 32.5٪ في عام 2006 إلى 9.7٪ في عام 2014، في حين اختفى الفقر المدقع نهائياً في عهد الرئيس العجوز.
يستند اقتصاد الأوروغواي على الزراعة، إذ تشكل أكثر من 6 % من الناتج المحلي، حيث تتميز الاورغواي باتساع المناطق المناسبة للنشاط الزراعي، وتبلغ مساحة الاراضي القابلة للزراعة 8% من المساحة الكلية، ومن اهم المحاصيل المنتجة في أروغواي: الارز، والذرة، والقمح، والشعير التي يصدر معظمها للخارج جراء قلة عدد سكان الدولة.
كما تصنف الأروغواي وفقًاً لمنظمة الشفافية الدولية على أنها البلد الأقل فساداً في أميركا الجنوبية مع تشيلي.
تتألف السلطة التشريعية من قبل الجمعية العامة التي تتكون من مجلسين: مجلس النواب؛ ويتكون من 99 عضواً، يمثلون 19 دائرة، ويتم انتخابهم على أساس التمثيل النسبي. ومجلس الشيوخ: ويتألف من 31 عضواً، ووزارة لا يتجاوز عدد الوزراء فيها أكثر من 13 وزيراً.
يسمح الدستور في أوروغواي للمواطنين بإلغاء قوانين، أو تغيير الدستور من خلال مبادرة شعبية؛ وصولا الى اجراء استفتاء على مستوى الأمة...
بقي أن نقول أن الرئيس السابق ترك قصر الرئاسة للفقراء، واستخدم جناح لاستقبال الرؤساء والوفود، ومنع الوزراء وكبار رجالات الدولة من استخدام أكثر من سيارة للعمل، وحدد رواتبهم، وامتيازاتهم، وسفرياتهم، ومياوماتهم بحيث أصبح المنصب مغرماً وليس مغنماً في أوروغواي، وكله جاء لصالح الفقراء الذي ارتفع مستواهم المعيشي، ولأن نسبة الفساد تكاد تتلاشى في هذه الدولة الصغيرة، امتلكت أوروغاوي بأقل القليل؛ فريقاً كروياً يعد تصنيفه الرابع على مستوى العالم.
بلغ عدد سكان الأردن (قبل الأزمة السورية) حوالي ضعفي عدد سكان أوروغواي، ونسبة الأراضي الزراعية في الأردن؛ أضعاف ما تمتلكه الأوروغواي من أراض صالحة للزراعة، والمشاريع الإنتاجية، والصناعات، والشركات لا يمكن أن نقارنه بالأوروغواي.
لو نظرنا الى إيرادات الدولة الأردنية عام 2014 الإيرادات العامة، وصلت الى ستة مليار و 982 مليون دينار، أي 27% من الناتج المحلي، بمعنى أن الدولة استطاعت أن تجمع من المواطنين حوالي (أقل) من سبعة مليارات.
بلغت النفقات؛ (وهنا الكارثة)، حوالي ثمانية مليارات دينار خلال العام 2014 بزيادة عن الناتج المحلي مليار ومائة وأربعة عشر مليون دينار، أي أن الحكومات صرفت أكثر من الناتج المحلي بأكثر من مليار دينار خلال عام 2014 وصرفت أكثر من مليار ونصف عام 2015 ومن المؤكد أن يكون هناك زيادات تصل الى 2 مليار دينار عند نهاية العام الحالي.
بلغت النفقات التجارية ما يأتي: 6828 مليون دينار وجاءت كما يلي: زيادة رواتب الجهاز المدني بمبلغ 96 مليون دينار، لتغطية التعيينات في وزارة التربية والتعليم، ووزارة الصحة، وكلف تثبيت المستخدمين خارج جدول التشكيلات، وكلف إقرار علاوة غلاء المعيشة للفئة الثالثة، والزيادة السنوية الطبيعية للرواتب.
زيادة مخصصات التقاعد المدني والعسكري بمقدار 54 مليون دينار، وارتفاع مخصصات المعالجات الطبية بمقدار 55 مليون دينار، وزيادة نفقات وزارة الصحة المتعلقة بالأدوية التي يحرم منها المواطن العادي فتذهب الى محاسيب وكبار موظفي الدولة بقيمة 72 مليون دينار، بالإضافة الى الكلف العالية التي تتكبدها الدولة نتيجة استضافة اللاجئين مما ينعكس سلباً على الإنفاق التجاري.
زيادة فوائد الدين العام بمقدار 300 مليون لتصل الى 1100 مليون دينار..؟!
المنح الخارجية كانت متواضعة بالرغم مما تعاني منه الدولة من ضائقة مالية كبيرة تعود لأسباب متعددة، أبرزها: الفساد المستشري في مفاصل الحكومة، وعدم ضبط الإنفاق الداخلي؛ فيما يتعلق بمصاريف الوزارات ومؤسسات الدولة، ونفقات خارجية تتعلق بمصاريف السفارات المرتفعة.
أما المديونية الخارجية فقد وصلت الى أرقام فلكية لا يمكن أن تتحملها الدولة، وهي في ازدياد إذا لم يتم ضبط النفقات، والبحث عن برنامج حكومي تقشفي لمدة خمس سنوات كاملة.
ملاحظة: الأرقام دقيقة لأنها مأخوذة وموثقة من دائرة الموازنة العامة للدولة..
للعلم: فازت الأوروغواي بكأس العالم مرتين، الأولى عام 1930 وكان عدد السكان لا يتجاوز النصف مليون نسمة، والثانية عام 1950 ويعد منتخب الأوروغواي من أفضل عشر منتخبات في العالم.