الجهات التي ترشّح «س» أو «صاد» لوزارة الثقافة كثيرة. ومن عجائب التقادير في بلادنا ان لا يكون للمثقفين, من حيث هم جهة معنية, دور في ذلك, وأن لا يستشاروا فيه, علماً بأن الثقافة لا يصنعها الا المثقفون, وأن من لا تنهض به كفايته في العمل الثقافي لا تنفعه شفاعة الشافعين.
يقول بعض الاذكياء ان بعض الوزارات تعمل بالتسيير الذاتي «السوبرنوتيكا» وإن الوزير غالباً ما يكون مجرّد غطاء سياسي يتغيّر بتغيّر الزمان, وإن المعوّل عليه هو طاقم الوزارة وما يرى لنفسه من مهمات. ولعل هذا أن يكون منطقياً في حال انتظم عمل الوزارة على نهج سوي وخطة واضحة في ضوء خطاب وطني ثقافي متفق عليه على مستوى الدولة, ولكن واقع الامر مختلف اشد الاختلاف عن ذلك, إذ غالباً ما يجعل الوزير الجديد شعاره: «من هنا نبدأ» وما يكون همّه الاكبر اثبات الذات والاهلية, بغض النظر عن اي تصور شمولي للحياة الثقافية في البلاد.
من أجل ذلك كانت الوزارة غائبة بقدر ما كان الوزراء حاضرين الحضور الذي يتيسّر لهم في المدة التي يقضونها على كرسي الوزارة.
ومن اجل ذلك فوّت الاردن فرصاً كثيرة على المستوى الثقافي الوطني, والمستوى العربي والمستوى الاسلامي. على الرغم من كونه الوريث الاول لقيم النهضة العربية التي نحتفل ايامنا هذه بذكراها المئوية.
إن الخروج من هذه الاشكالية يتطلب قيام مجلس ثقافي وطني أعلى, يتولى وضع استراتيجية ثقافية للدولة, يوزّع مهماتها على عدة وزارات ومؤسسات, ولا يحصرها في وزارة بعينها, ويكون هذا المجلس الاعلى عابراً للحكومات قائماً في حال تشكلت هذه الحكومات وفي حال انفراط عقودها.
وفي حال تم اختيار اعضاء هذا المجلس من كبار المثقفين ذوي التجارب, فإن من المتوقع أن يكون هو الامين على مسيرة الثقافة الوطنية, وراسم نهج موحّد للمؤسسات المعنية بها, سواء أكانت حكومية أم مدنية.
واذا كان لنا تجارب سابقة فاشلة في هذا الباب فإن مرد فشلها الى أنها بوشرت بروح السياسة وموازينها لا بروح الثقافة وقيمها ومعاييرها.