انحسار امبراطوريات العصر

خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي باستفتاء هش نجح بنسبة 52% ترك الاسواق المالية واسواق الصرف في حالة ذهول، فالحذر الشديد انعكس على اسواق السلع الاستراتيجية والمعادن النفيسة، فالنفط انخفض 5% من قيمته، وكسر نزولا عن حاجز 50 دولارا للبرميل، المعدن الاصفر الذي يعتبر ملاذا في الازمات ارتفع لاعلى مستوى له منذ عامين ويلغت الاونصة 1358 دولارا، وسط توقع المتعاملين والمراقبين بتعمق الاختلالات التي تركها خروج لندن من الاتحاد الاوروبي، الذي يأتي في ظل ظروف صعبة بين دول الاتحاد والاختلاف حول قضايا اللاجئين، وبهذا الخروج توسع بريطانيا مساحة بحر المانش الذي تحول الى جسر متين بين بريطانيا ودول الاتحاد عبر فرنسا خلال السنوات القليلة الماضية.
مخاوف تصدع الاتحاد الاوروبي، اكده البريطانيون في الخروج من الاتحاد، فقد وضع كل من بريطانيا ومنظومة الاتحاد امام مصاعب جديدة، وفتح الباب امام دول اوروبية اخرى للخروج من الاتحاد منها اليونان المثقلة بازمة الديون السيادية وتداعياتها، بريطانيا بدأت مبكرا مواجهة استحقاقات متشعبة في مقدمتها تخفيض التصنف الائتماني ( للجزيرة العجوزة) حيث خفضت وكالة موديز للتصنيف الائتماني توقعاتها لتصنيف الديون البريطانية طويلة الأجل إلى (سلبية) من (مستقرة)، كما فقد الجنيه قوته، وواجه حي المال والاعمال في لندن صدمة ربما تستمر وتتفاقم خلال الاسابيع المقبلة، وشركات التأمين غالبا ما تتريث قبل اطلاق احكامهم واتخاذ قراراتهم الاستثمارية المتوسطة والطويلة الاجل، وهذا لن يتأخر كثيرا.
عمليا ستخسر بريطانيا موقعها كمركز للصادرات الاميركية الى دول الاتحاد، كما تخسر الشركات الامريكية جراء فقدان منصة مهمة لتروج المنتجات الامريكية، الامر الذي يستدعي التأقلم مع الوضع الجديد وبناء خطوط جديدة للوصول الى الاسواق الاوروبية، ويزيد الامر صعوبة على المنتجات الامريكية تقلبات اسواق الصرف وتنامي قوة الدولار الامريكي، اما صناديق التقاعد في العالم ( كبار اصحاب الاموال في العالم )فسيتجهون لتخفيف اعتمادهم على سوق راس المال البريطاني، وربما يعود اهتمام المستثمرين الى الاسواق الاسيوية، وفي نفس الوقت ستحافظ المانيا ( اكبر اقتصاد اوروبي ) على قوتها الصناعية والمالية، بينما نجد دولا اوروبية اخرى قد تشهد تراجعا اقتصاديا وماليا، والعالم مرشح لتشكيلات اقتصادية جديدة بمواصفات مختلفة.
خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي يدق ناقوس الخطر، ويمهد تدريجيا الى ضعف الدور الاوروبي، وكذلك الامريكي التي لازالت تعاني من تداعيات الازمة المالية العالمية، وانها وان ابدى الاقتصاد الامريكي تعافيا محدودا الا ان عوامل التراجع مستمرة، فارتفاع الكلف يخفض تنافسية المنتجات الامريكية بالمقارنة مع الاقتصادات الصاعدة، مرة جديدة ...خروج بريطانيا من الاتحاد يجسد انحسار امبراطوريات العصر.