الخوف والقطاع الخاص

 باستثناء قلة ناجحة ومتميزة من المؤسسات الخاصة، فإن الغالبية من المستثمرين وأصحاب الأعمال يقدمون أعذار الخوف أيام العُسرة الاقتصادية، إذ تكثر استخدامات الألفاظ التي تدل على ذلك، مثل "رأس المال جبان"، "الإعلام ضدنا ويهاجمنا ويصورنا على أننا جشعون وحيتان"، أو "الحكومة لا تتفهم مشاكلنا، وتلاحقنا" أو "الجهات الأمنية تتدخل كثيراً في الاستثمار بالإجراءات المبالغ فيها".

ولا أريد أن أنكر أو أثبت صحة أي من هذه الجُمل أو التعبيرات، أو أشكك في أن بعض أحداث الواقع تؤكد صوابيتها، ولكنني أتساءل، أين كانت هذه الشكاوى أيام "اليُسر والأرباح؟؟" ألم يتهم بعضهم بالتهور والمبالغة، وثبت بعد ذلك أنهم كانوا فعلاً كذلك؟ ألم يحاول بعضهم "تجنب دفع الضرائب المستحقة عليه؟"، "ألم يكن سلوك بعضهم الجمركي محفزاً للشك في كشوفاتهم لأثمان البضائع؟" "ألم يخلق بعضهم شركات وهمية ضحكت على خلق الله؟"، "أولم يقم بعضهم برشوة الضعفاء من الموظفين المحتاجين؟"، وكل هذا أيضاً صحيح.

ولكن القضية أن قوى الخيال والإبداع والتنافسية على جانبي السوق لا يضمان صفوفهما معاً، ولا يتعاونان بالقدر الكافي، بل إن الحكومة والقطاع الخاص بشكل عام لم يجدا بعدُ تلك اللغة المشتركة التي تحفزهما على التعاون الفعال لإخراج الاقتصاد الأردني من عنق الزجاجة.

على الحكومة وهي تسرد لنا إنجازاتها وإجراءاتها أن تتذكر أن طريق الاستثمار هو حقاً طريق آلام. وحتى لو وسّعت الحكومة الطريق الواصل بين بداية التفكير في الاستثمار حتى قيام المشروع، وأبقت ولو نقطة اختناق في مكان واحد، فإن سعة الطريق لا تنفع كثيراً، وذلك لأن مهندسي الطرق قد علمونا أن "سعة الطريق وسهولة المرور فيه تعتمد على أضيق نقطة فيه". وإذا صادفت اختناقاً في إجراء لدى مجلس بلدي، أو وزارة العمل، أو وزارة البيئة، أو في نقابة المهندسين، أو في أي مكان آخر، فإن التسهيلات وسرعة إنجاز المعاملات في أماكن أخرى تصبح محدودة الفائدة.

وبالمقابل، فإن تردد رأس المال في هذا الزمان الصعب اقتصادياً بحجة أن المخاطرة عالية لن يحرك الساكن في الاقتصاد، ولن يشغل عاطلاً عن العمل، ولن يزيد الصادرات، أو يرفد خزينة الحكومة بأي عائد.

المطلوب لإخراج الاقتصاد من محنته هو التوافق التام بين القطاعين، وأن يقوم كل طرف بتقديم أقصى ما لديه. وهنالك أمثلة نجاح كثيرة لم يستفد منها حتى الآن في الأردن ونسيناها، علماً أن أصحابها ليسوا من فئة "السوبرمان"، وبعضهم نجح رغم كل الروتين المزعج ، والمحاولات لإضعافه.

وعلى السادة والسيدات في القطاع الخاص أن يدركوا، إذا كنا نتوخى الصدق مع النفس، أن جزءاً كبيراً من المعوقات أمام جهات من القطاع الخاص هي في أساسها أتت من جهات أخرى في القطاع الخاص نفسه، وتتمتع بنفوذ أو بصلة لدى مسؤول ما، وأقنعته بوجهة نظرها لتعليق أو إعاقة مشروع قد يكون منافساً، أو بسبب حزازة شخصية مع صاحب المشروع الآخر.

لن تنتهي المعوقات بين يوم وليلة. ومعرفتنا بالناس لن تغيرهم بطرفة عين، ولكن الناس تنسى تحزباتها وتعصباتها أيام الامتحان الصعب، وتتضافر كي تخرج من الأزمة، وهذه الأيام لدينا أزمة، فهل نكون جميعاً، حكومة وقطاعاً خاصاً، على قدر ذلك العبء والتحدي؟؟.