هل دقّ الإنجليز المسمار الأول بنعش الاتحاد الأوروبي؟

اخبار البلد-

 

استفاقت أوروبا والعالم على إعلان البريطانيين الكلمة النهائية حول خروج المملكة من الاتحاد الأوروبي، رافقه دعوات من قبل المؤيدين لهذه الفكرة في دول أخرى في الاتحاد الأوروبي لإجراء استفتاءات مماثلة.

وما هو مؤكد أن الاستفتاء أظهر المجتمع البريطاني منقسماً حول قرار الخروج من الاتحاد، أو ما يعرف بالـ"بريكزيت"، وأن خيار الخروج سيكون الأزمة الكبرى في تاريخ الاتحاد الأوروبي الذي يتوسع منذ تأسيسه عام 1993.

- من أيد الخروج؟

إذن، من يؤيد البريكزيت في بريطانيا؟ وما الأسباب وراء موقفه؟ لا تحسم الانتماءات الحزبية والأيديولوجية الموقف من الخروج من الاتحاد الأوروبي. فالحزب الحاكم، حزب المحافظين، منقسم داخلياً بشكل متساوٍ تقريباً؛ فنصفه يؤيد البريكزيت والآخر يعارض. كما أن 5 من وزراء الكابينيت (الحكومة المصغرة) البريطانية يؤيدون الانفصال، إلى جانب حزب "استقلال المملكة المتحدة" اليميني المعارض، والذي تأسس عام 1993 كرد فعل على انضمام المملكة للاتحاد الأوروبي.

وعلى الرغم من أن حزب العمّال البريطاني بغالبيته الساحقة يعارض الخروج، فإن عدداً من نوّابه يؤيدون ذلك لأسباب مختلفة، إلى جانب ذلك عدد كبير من نوّاب حزب شمال إيرلندا "الاتحادي الديمقراطي" يؤيدون الانفصال، لكن ما الأسباب والادعاءات التي تقف وراء تأييد البريكزيت؟

بوجود "حزب استقلال المملكة المتحدة" الذي تأسس لمعارضة الاتحاد الأوروبي وعضوية بريطانيا فيه، يظهر الأساس الأيديولوجي لتأييد الانفصال عن الاتحاد، فهذا الحزب يؤمن بضرورة حفاظ بريطانيا على خصوصيتها وتميزها التاريخي والحضاري والثقافي عن بقية أوروبا، ويعارض تحوّل القارة إلى نموذج "الولايات المتحدة الأوروبية" على شاكلة أمريكا.

وفي ظل التحديات الأمنية المتزايدة في أوروبا والتي خلقتها الأحداث الدامية في الشرق الأوسط، وتحديداً فيما يخص حفظ أمن الحدود في أوروبا، يرى مؤيدو الانفصال أن بريطانيا لا يجب أن تكون ضمن اتفاقيات الحدود التي تضمن حرية التنقل الكاملة للبشر والسلع والمال بين دول الاتحاد.

وعلى الرغم من كون المملكة المتحدة تتمتع بحدود طبيعية تجعل من الصعب اختراقها، فإن العمليات الإرهابية التي تواجهها أوروبا في السنوات الأخيرة تزيد رغبة البريطانيين في السيطرة على حدودهم، في مسار معاكس لاتجاه العولمة؛ وفي هذا السياق يضاف اعتراض المؤيدين على حركة الهجرة النشطة لسكان دول الاتحاد الأوروبي الأقل حظاً اقتصادياً، إلى بريطانيا بهدف العمل.

الجانب الاقتصادي هو الأقوى من بين ادعاءات المؤيدين للبريكزيت؛ فمن هذا المنظور، تعتبر بريطانيا ثاني أقوى اقتصاد وسط دول الاتحاد، ومن أكثر الدول التي تستوعب المهاجرين لأجل العمل، كما تسدد سنوياً رسوم عضوية باهظة دون أن تتلقى مقابلاً اقتصادياً حقيقياً من عضويتها بالاتحاد، وعليه يرى المؤيدون أن المملكة تصرف على الاتحاد الأوروبي أكثر ممّا تستفيد منه اقتصادياً.

- معارضو الخروج

بالنظر إلى الانقسام الحاصل في حزب المحافظين نجد رئيس الحكومة، ديفيد كاميرون، هو أبرز المعارضين لخروج بلاده من الاتحاد الأوروبي، إلى جانب نصف حزبه الحاكم ومن بينهم 16 من وزراء الكبينيت البريطاني. وينضم إلى الحزب الحاكم حليفه الحزب الليبرالي الديمقراطي، وحزب العمّال بغالبيته الساحقة، والحزب القومي الأسكتلندي، وحزب ولاية ويلز الاجتماعي الديمقراطي (Plaid Cymru).

أما خارج المملكة فأعلن الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، معارضته للبريكزيت، وفي أوروبا، وبطبيعة الحال، تعترض كل من ألمانيا وفرنسا بشدة على خيار الانفصال.

أما الأسباب التي تستند إليها هذه الفئة فتتنوع أيضاً؛ إذ يرون أن عضوية الاتحاد تسهل على بريطانيا التجارة مع دول أوروبا، وتضمن حرية تنقل البشر والمال والسلع دون تكاليف. ونظراً لاتفاقية الحدود المفتوحة فإن بريطانيا تستفيد من هجرة الشباب الأوروبي للعمل فيها بحل مشكلة متوسط العمر المرتفع فيها، فمن المعروف أن المجتمع البريطاني مجتمع عجوز ممّا يؤثر سلباً على الإنتاجية، ومن ثم فإن استقطاب الشباب القادر على الإنتاج والعمل يعتبر من مصلحة النمو الاقتصادي في بريطانيا.

من ناحية أخرى، يرى المؤيدون أن وجود المملكة المتحدة ضمن الاتحاد يعطيها قوة دبلوماسية، ويمنحها مساندة سياسية ويحافظ على دورها المفتاحيّ في القارة الأوروبية، على الرغم من عدم تواصلها الجغرافي معها.

- لكن... ماذا بعد أن انفصلت؟

كثير من السيناريوهات المحتملة قد يواجهها كل من المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي بعد تحقق خيار الانفصال عن الاتحاد؛ فعلى الصعيد الداخلي، يتوقع هبوط شعبية الحزب الحاكم بشكل كبير، وازدياد شعبية أحزاب أصغر تعتمد الخطاب الشعبوي، إضافة إلى زعزعة استقرار حزب العمّال داخلياً، الذي يعاني أصلاً عدم استقرار داخلي بعد انتخاب القائد اليساري المتطرف جيرمي كوربين، الذي يؤيد فتح الهجرة أمام العمّال من الدول الأخرى في حين تعارضها أيديولوجية الحزب.

هذا إلى جانب ارتفاع شعبية الحزب القومي الأسكتلندي، الذي كان من المتوقع أن يطالب باستفتاء جديد حول انفصال أسكتلندا عن المملكة المتحدة إذا ما خرجت الأخيرة من الاتحاد الأوروبي؛ نظراً لكون غالبية الأسكتلنديين من مؤيدي البقاء في الاتحاد، ومن ثم فلن يعود هناك ما يفيد بالبقاء ضمن المملكة المتحدة، وهذا السيناريو سيتسبب بعدم استقرار سياسي داخلي في بريطانيا.

وعلى الصعيد الاقتصادي والقانوني، ستضطر الحكومة البريطانية إلى وضع ميزانية طوارئ بقيمة 30 مليار جنيه إسترليني، وفقاً لتصريح وزير المالية الأخير، جورج أوسبورن؛ هذا إلى جانب سلسلة من الإجراءات القانونية الطويلة لفصل المؤسسات البريطانية عن مؤسسات الاتحاد الأوروبي، وهو ما قد يستغرق عامين حتى يتحقق الانفصال فعلياً.

وعلى الرغم من أن خروج بريطانيا مثل الصدمة الأولى والكبرى للاتحاد الأوروبي منذ تأسيسه، ولكنها لن تكون الأخيرة؛ إذ إن سلسلة من الدول ستطلب الخروج، وتجري استفتاءات لاتخاذ القرار، وذلك في ظل التحديات الأمنية من جهة، ووصول حكومات قومية ومتطرفة إلى السلطة.

وأبرز هذه الدول هي إيطاليا، وهولندا، وفرنسا أيضاً قد تواجه سيناريو شبيهاً إذا ما وصلت الجبهة القومية للسلطة بقيادة ماري لي بن، التي تقود الخط المعارض للاتحاد الأوروبي، ومن هنا سوف تستمر سلسلة مراجعات الدول لجدوى عضويتها في الاتحاد الذي لم يتوقف عن التوسع منذ تأسيسه.