المشهد واضح والقتلة واضحون ..


 

نكتب اسماءنا بالحبر ، ويكتبون اسماءهم بالدم الاحمر القاني وردة على سياج الاردن ، تضيؤها شمس الشرق ولا تهزها رياح الشمال ، ولا تغمض لها عين برفقة الغروب . هم يحملون ارواحهم على راحاتهم ويصعدون الى مرتبة الشرف والمجد والخلود .. هم شهداء اليوم ، أهل النخوة والنجدة في وقت الشدة ، هم الذين التحقوا بركب رفاق السلاح الذين سبقوا واستشهدوا على اسوار القدس وفي ساحات القتال .
لا اعرفهم ، مثل الكثيرين ، ولكني اعرف ان هذا قدرهم ، منذ عادوا الى بيوتهم واهلهم في يوم مضى ، يحملون احلامهم مع سلاحهم الاول ، تصاحبهم فرحة اليوم الاول في خندق الواجب . في ذلك اليوم قالوا لنا :» ناموا ليلكم الطويل بسلام « . بفضلهم يذهب الطلاب الى مدارسهم ، والعمال الى مصانعهم ، والمزارعون الى حقولهم ، والموظفون الى مكاتبهم ، وهم وهبوا انفسهم لحالة انتظار لا ينتهي .
في موقعهم على خط النار كانوا يستعدون لمهمة وطنية، ولطقس انساني مختلف ، على وقع صدى الموت القريب من مهجعهم . كانوا بانتظار اسراب الاطفال والنساء من الهاربين من الجحيم ، ومن الذين ادمنوا احزان الرحيل . لم يعلموا للحظة أن التسمم الروحي والاخلاقي عند سلالة القتل والانتقام ، سيدفع بالمجرمين الى ممارسة ثنائية الانتحار والغدر ، عبر تفجير موقع مهمته انسانية سامية .
الحقيقة ان المشهد واضح والقتلة واضحون . جنودنا الذين سكن في قلوبهم الهدوء والسلام لم يستشهدوا برصاص طائش ، بل هم ضحايا الغدر الذي جعل شهر رمضان من اقسى الشهور . انها التجربة المرة القاسية التي تزيدنا صلابة وقوة ومنعة ويقظة ، والاصرار على أن لا يكون الاردن ممرا او مقرا للارهابين الذين يتسللون عبر ممرات انسانية ، بهدف نقل النار والعنف والفوضى الى الاردن الآمن المستقر .
نعم ، حزام النار يحيط بنا من كل الجهات ، وقد اقترب اللهب ، وهذا يتطلب المزيد من الحيطة والحذر والتأهب ، على الحدود وفي الداخل . كما ان من الواجب أن نجعل من مواجهة الارهاب معركة شاملة وعلى امتداد كل الجبهات الاعلامية والثقافية والسياسية والتربوية ، وبالتالي تحصين الجبهة الداخلية بتفعيل دور كل المؤسسات ، لأننا دولة مؤسسات .
هم انحازوا الى ثقافة الموت، ومارسوا تمجيد الموت المجاني في زحام القتل العشوائي . اما نحن ، فلنا ثقافة الحياة وتمجيدها بالعدالة وروح الانسان وكل شيء جميل خلقه الله على هذه الارض التي عليها وفيها ما يستحق الحياة . وفي وداع كوكبة من الشهداء نشعر بحزن غير عادي ، وهذه المشاعر الانسانية لا تضعفنا ، ولا ترهبنا ، ولا تصيبنا بالتردد ، بل تزيدنا عزما وحزما وقوة واصرارا على مواصلة الحرب على الارهاب لاجتثاثه ، خصوصا أن المشهد واضح والقتلة واضحون ... واخيرا نقول للشهداء الرحمة والمجد والخلود .