حرية التعبير وحدودها

من أول السطر نقول: حرية التعبير حق دستوري مقدس. وهو حق مكفول لجميع المواطنين؛ محافظين كانوا أم ليبراليين، وسطيين أم راديكاليين، موالين أم معارضين. ولو قدّر للأردن أن يقدم مثالا حيّا على احترامه لحرية الرأي، لكان الدكتور أمجد قورشة مثالا لذلك؛ فلعقود خلت صال وجال في محاضرات وفيديوهات وحركة دعوية داخل الجامعات، وهو الأمر الممنوع على غيره من المدرسين، فلم أسمع عن دكتور ماركسي مثلا أُعطي مثل هذا المجال وتلك الفرصة.
ومع أن حق التعبير عن الرأي هو حق دستوري، فإن هذا الحق لا يجعل أحدا فوق سلطة التحقيق. والحقيقة المُرّة أن هذا الاصطفاف مع أو ضد الدكتور قورشة يتم من دون أن نعلم على وجه اليقين تفاصيل وحيثيات التحقيق وموضوعه، علما أن المدعي العام ليس مكلفا، لا واقعا ولا قانونا، بأن يُبين موضوع التحقيق قبل إتمامه. وفي الوقت نفسه نذكر بالقاعدة القانونية الراسخة "المتهم بريء حتى تثبت إدانته". وفي كل الأحوال، فإني شخصيا ضد التوقيف حيثما كان عنوان ومكان المتهم معروفا.
المادة (15) من الدستور الأردني وضعت على الدولة التزاما دستوريا بكفالة حرية التعبير والرأي للأردنيين. وبهذا، فإن واجبها يتعدى ضمان هذا الحق إلى السهر على تيسيره للمواطنين. وهذه الحرية مطلقة لا قيد عليها، لا في الشكل ولا الزمن ولا في الوسيلة. ولكن الدستور اشترط أن لا تتجاوز حدود القانون. ومن المهم الإشارة إلى أن هذا الشرط بعدم تجاوز حدود القانون لا يجوز أن يطيح بهذه الحرية أو يعسف بها؛ فإن صدر قانون يطيح بحق الحرية أو يلغيه، فإنه وسندا لنصوص الدستور ذاتها يعتبر نصا غير دستوري، وعلى المحاكم أن تمتنع عن تطبيقه إن رأت ذلك. وقد حصل فعلا أن امتنعت محكمة الجنايات الأردنية عن تطبيق نص قانون العقوبات المتعلق بجريمة تعكير صفو العلاقات مع دولة أجنبية.
إن القانون الأردني وضع محددات على ممارسة حرية التعبير، أساسها الفلسفي أن ضمان ممارسة هذه الحرية لا يشكل اعتداء على شرف وسمعة ومعتقدات الآخرين، أو على أمن الدولة واستقرارها. ومن هذه المحددات:
1 - الذم والقدح والتحقير للأفراد ومؤسسات الدولة.
2 - استخدام الشبكة المعلوماتية لنشر أي أعمال إرهابية أو الترويج لأفكار أي مجموعة أرهابية، أو تعريض الأردنيين أو ممتلكاتهم لخطر أعمال عدائية أو انتقامية.
3 - تحقير أي دولة أجنبية وعلمها أو رئيسها.
4 - نشر ما يشتمل على ذم أو قدح إحدى الديانات، أو ما يشكل إهانة الشعور والمعتقد الديني أو إثارة النعرات المذهبية أو العنصرية.
5- إذاعه أي أنباء كاذبة أو مبالغ فيها من شأنها أن تنال من هيبة الدولة.
مسألة حرية الرأي والتعبير وحدودها واختلافها عن خطاب الكراهية أو مخالفة القانون، محل نقاش دائم ومستمر، ليس فقط في الديمقراطيات الحديثة، بل أيضاً في الديمقراطيات الراسخة. وهو نقاش حيوي ومفيد، ومؤشر إيجابي على الاهتمام بحرية التعبير كقيمة وكوسيلة للمشاركة في الحكم والعملية التشريعية.
أعتقد أن الوقت قد حان لقيام تحرك مدني سلمي لحماية حرية الرأي والتعبير للجميع مهما اختلفنا معهم في الرأي أو المعتقد. كما يجب على المجتمع أن ينهض لرفض وملاحقة خطاب الكراهية والتجييش من أي جهة كانت، وحصاره ورفضه قانونا وأخلاقا. وهنا يجب أن نضع معياراً للفصل بين مفهوم الخلاف في الرأي وخطاب الكراهية. وفي هذا الشأن، يحضرني أن النقابات والأحزاب لم تنتصر للدكتورة رلى قواس ولا لحريتها الأكاديمية ولا لطالباتها وهنَ يمارسن حرية التعبير في نشاط جامعي للتصدي لظاهرة التحرش داخل حرم الجامعة الأردنية. وكم من فعالية فنية أو ثقافية هوجمت وأوقفت من بعض من يدعون اليوم دفاعهم عن حرية التعبير.
حريةالتعبير، كما قال فولتير، أن تخالف أحدهم الرأي، ولكن أن تموت دفاعا عن حقه في قوله.