قمقم الممانعة الكاذب
قمقم الممانعة الكاذب
طيلة العقود الماضية التي مرت بها منطقتنا اتسمت بصراعات دامية وحروب استنزفت و كبدت دول الجوار للكيان الصهيوني خسائر كبيرة ؛ حيث توجه الإنفاق نحو التسليح والأمن والدفاع على طول خطوط جبهات القتال ، إلا أن ذلك لم يحقق شيئاً على أرض الواقع إلا تكرار سلسلة من الهزائم لأعوام 48 و67 و73 ، سوى ما حققه الأردن من نصرٍ معنوي أكثر منه استراتيجي على جيش العدو الصهيوني في معركة الكرامة العربية عام 1968م، واستفاد منها لاحقاً الأشقاء المصريون والسوريون في التجهيز لدخول حرب جديدة عام 1973م مع العدو على جبهات القتال كادت أن تنهي إسرائيل من خارطة الوجود لولا التدخل الأمريكي الحاسم في الحرب على جبهة القتال المصرية . ولم تقنع سوريا بهذه النتيجة الحتمية التي كانت جزءاً في فرضها؛ فشنت بعد عام ما يعرف بحرب الاستنزاف استمرت قرابة الثلاثة أشهر استردت بعدها وبوساطة أمريكية أجزاء مما احتل في عام 1967م كان أبرزها مدينة القنيطرة.
المهم فيما سبق أن حرب أكتوبر هذه كانت علامة فاصلة في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، فإسرائيل ابتداءً من هذه الحرب لم تعد تقاتل وحيدة بل ستقف مـــعها أمها الحنون "الولايات المتحدة" بالجنود والعتاد إذا لزم الأمر طبعاً. وعند الحديث عن العرب نجدهم قد ملوا فكرة الصراع المرير الذي أجهد قدراتهم وكبدهم خسائر في الأموال والأنفس طيلة عقود مضت ؛ حيث لا تنمية حقيقية شاملة للمرافق الحيوية والخدمات الأساسية والاستثمار التجاري.
ذكريات جميلة تعبر عن بطولات الجيوش العربية إبان الصراع العربي الإسرائيلي ، لكن الجديد في الموضوع هو حالـــة "اللاسلم واللاحرب" هذه التي يُطلق عليها لفـــظ (هدنة) ولكن النظام السوري اعتنـــقها بتعبير آخر أي بلفظ (الممانعة) ، فمن دولة مجابهة حقيقية إلى دولة ممانعة!! وأيــة ممانعة هذه التي هم في غياهبها ؟؟؟؟؟ إسرائيل اخترقت الأجواء السورية كذا مرة، ودمرت ما يقال أنـــه سيكون مفاعلا نووياً، وقتلت جنوداً على الحدود السورية الإسرائيلية، وفي كل يوم شبكات اتصالها ومخابراتها تخترق وتعرف إسرائيل عن النظام السوري ما لا يعرفه الشعب السوري الشقيق .
لماذا لم يــطلق النظام السوري رصاصة واحدة تجاه الحدود وينهي حالة الهدنة أو الممانعة هذه؟ أنه المضحك المبكي فالممانعة لفظ جميل ومزين ومزركش لكلمة الهدنة التي اخترقتها إسرائيل وبقي النظام السوري متشبثاً بها. وددت لو تعامل النظام السوري مع شعبه المقموع والمضطهد كما يعامل العدو الصهيوني في مهادنته ومسالمته واعتبرهم يهوداً وصهاينة في الممانعة .
وددت لو تحرك هذا الجيش وأكملت طريقه للجولان المحتل ..... النظام السوري ليس نظاماً شرعياً على الإطلاق؛ فهو حاول صبغ نفسه بالشرعية من خلال لفظ الممانعة الكاذب، كيف يكون نظاماً ممانعاً للإمبريالية الغربية ويريد إجراء مفاوضات سلام مع إسرائيل لاستعادة الجولان وبأسف من تعثر المباحثات بينهما ، وفي الوقت نفسه يـــهزأ من الدول العربية التي عقدت اتفاق سلام مع إسرائيل ، هل هو حـــرام عليهم حلال لكم ؟؟؟ ...... فلتخرجوا من قمــــقم الممانعة الزائف هذا، وتتركوا لغة الخطـــابات الثورية الزائـــفة منتهية الصلاحية.
فالنظام السوري أمام خيارين فإما الإصلاح الداخلي والسعي نحو استقرار المنطقة والعودة للمنظومة العربية والخروج من الدهاليز الصفوية الإيرانية، أو البقاء على منظومة الممانعة الإيرانية ورفض الإصلاح والتمسك بمنهجية الشللية والفساد المستشري في سوريا .