هل تعرف "فتح" و"حماس" ماذا تريدان؟

لا يوجد عند كل من "فتح" و"حماس" برنامج وطني متبلور تقدمانه لجماهيرها، فكيف يمكنهما الاتفاق على مشروع مشترك؟
تفيد أنباء اللقاءات التي جرت في العاصمة القطرية، الدوحة، بأنّ محادثات الفصيلين الفلسطينيين، "فتح" و"حماس"، للتوصل لمصالحة، تعثرت مجددا. والواقع أنّ انعقاد جلسات المصالحة ( لماذا تنعقد الجلسات أصلا؟)، بات يشكل سؤالا مبرراً أكثر جدية وإثارة للاهتمام من أسباب فشل المصالحة.
هناك آثار سلبية وكارثية لا تحتاج للكثير من النقاش مترتبة على الانقسام الفلسطيني الفتحاوي-الحمساوي، إلا أنه لا يوجد متغير حقيقي وطني فلسطيني، يوضح لماذا استؤنفت جلسات الحوار الآن. فاستئنافها يفترض وجود متغيرات تجعل هناك فرصا للنجاح في تحقيق ما تعذر تحقيقه سابقاً، لكن لا يبدو هذا واضحاً. ربما أن الحراك الدولي المصاحب للمبادرة الفرنسية، أعاد شيئاً من الاهتمام للملف الفلسطيني، وتهيئة الساحة الفلسطينية لمتغيرات جديدة. أو ربما العكس تماما؛ أي لأن المبادرة الفرنسية فشلت في خلق حراك، فصار مطلوباً ملء الفراغ بحراك جديد. 
بغض النظر عن أسباب انعقاد جلسات الدوحة، فإنّ تفاصيل الاستعصاء والتعثر في هذه اللقاءات، توضح عدم وجود متغير جديد في تفكير وسياسات الفصيلين. 
هناك ثلاثة ملفات رئيسة معلنة كسبب لتعثر الحوار، وأسباب فرعية أخرى (مثل المحكمة الدستورية التي شكلها الرئيس الفلسطيني مؤخرا)، يذكرها المتحاورون أو قريبون منهم. والملف الرئيس الأول، هو ملف الموظفين الذين عينتهم "حماس" بعد العام 2006 في قطاع غزة، ومطالبة حل أزمتهم المالية والاعتراف بهم وبرواتبهم، مقابل طلب "فتح" دراسة ملفاتهم وحالتهم بشكل غير جماعي، ومن دون حلول تلقائية جماعية مضمونة. وإصرار "حماس" على حل تراه هي، ورفضها مناقشة التفاصيل أو إخضاعها لحكومة، يتجاهل أن أزمة هؤلاء الموظفين ستطول أكثر هكذا، ويؤكد وقوعها في خانة إعطاء الأولوية للحياتي المطلبي على الوطني الاستراتيجي؛ من دون أن يعني هذا أن "فتح" تعطي أولوية للوطني الاستراتيجي على "الحياتي"، فكل مأزق العمل الفلسطيني مرتبط تقريباً بفخ متطلبات الحياة اليومية، واستمرار "السلطة"، على حساب الصراع التحرري الأساسي. 
الملف الثاني الرئيس، هو إصرار "حماس" على تفعيل المجلس التشريعي. في المقابل، تطرح "فتح" وضع آلية انتخاب سريعة. ويتمثل الملف الثالث في إصرار "فتح" على أن يكون برنامج منظمة التحرير الفلسطينية هو الأساس السياسي للحكومة الجديدة المزمعة، فيما تصر "حماس" على وثيقة "الوفاق الوطني" (وثيقة الأسرى للعام 2006). 
أول الأسئلة التي تتبادر إلى الذهن: ما هو برنامج منظمة التحرير الذي يجري الإصرار عليه فتحاوياً؟ متى أعلن؟ متى تقرر؟ فالمجلس الوطني لا يجتمع أصلا ليكون للمنظمة برنامج، بل إنّه لا يوجد حقيقة ميثاق وطني فلسطيني، في ظل عمليات الحذف التي جرت لمواد من الميثاق، قبل عشرين عاما، من دون ضع مواد جديدة. والسؤال الثاني: بماذا تختلف وثيقة "الوفاق الوطني" التي تصر عليها "حماس" عن برنامج منظمة التحرير؟ فإذا افترضنا أنّ ما ترفضه "حماس" هو التفاوض وحل الدولتين وسوى ذلك، وأن هذا هو برنامج المنظمة، فإنّ الوثيقة التي تطالب بها "حماس" تقول صراحة: "إن إدارة المفاوضات هي من صلاحية "منظمة التحرير" ورئيس السلطة الوطنية". 
ربما يؤكد هذا الجدل الغريب بشأن البرنامج الوطني، أنّ السبب الحقيقي للاستعصاء هو تقاسم السلطة، ورغبة "حماس" في آلية تحل أزمة غزة، وتبقيها من دون شريك هناك، وإدخالها شريكةً في الضفة، والتهرب من الانتخابات. وأيضا رغبة "فتح" في أن يكون كل شيء بيدها من دون شريك. لكن الأهم من هذا أن الفصيلين لا يعلنان مشروعا وطنيا أو تصورا للعمل الفلسطيني، خاصا بهما. لو وجد مثل هذا المشروع، لربما بحثا عن شراكة حقيقية بينهما، وبحثا عن وحدة وطنية تجمع الجميع.
تعلن "حماس" دائماً أنّ ميثاقها لم يعد يمثل مواقف الحركة. وهناك الكثير من الأمثلة على هذه التصريحات في الإعلام. ولا يوجد أي برنامج عملي جديد معلن للتعامل مع كل المشكلات الفلسطينية. والأمر مشابه على صعيد "فتح" التي لا تتمكن حتى من عقد مؤتمرها العام. 
هذا الغياب لمشروع وطني متبلور وواضح لدى الفصيلين، يتطلب الوحدة الشعبية، ربما هو الهدف الحقيقي لعدم وجود حافز للمصالحة، وعدم وجود حافز لتجاوز قضية مثل "الموظفين".