مشاجرة على باب الكنيسة

اخبار البلد-



 

كلما لاحت في الأفق سحابة سوداء، يلوذ الرعاة إلى الحطب، باعتباره مؤونتهم من الدفء حين يخيم الليل والبرد، وأنا أحد هؤلاء الرعاة، فقد كنت وما زلت أزهو فخرا بأنني رعيت الغنم والبقر أيضا، وترعرعت في الطبيعة، ولدي حس منفرد حين تنذرنا السماء بقدوم السحب السوداء والعواصف، فكلما سمعت حديثا عن اعتداء أو محاولة اعتداء على مسجد أو كنيسة، تذكرت مسجد قريتي وكنيستها، وقد كتبت في أكثر من مناسبة عن كنيسة الربة، لكن ليس خوفا عليها من اعتداءات محتملة، إنما حبا ووفاء لها وحنينا لأصوات أجراسها وساحاتها، فهي مرابع طفولتي، واعتزازي لا ينتهي بأنني تعلمت ابجديات الدراسة في ديرها..
أمس الأول، لولا انشغالاتي لبادرت بالاتصال مع شبابنا في الربة، وطلبت منهم «مقاولة باص»، والقدوم إلى مدينة الزرقاء، لتنظيف كنيسة شهدت مشاجرة، لم ترق فيها دماء بحمد الله، كما يحدث في أغلب مشاجرات شهر رمضان التي نقرأ عنها في الصحف، ويذهب ضحيتها أعداد من الناس، انما مشاجرة «سوقية» بسيطة، لم تكتسب أهمية لولا أن أحد أطرافها دخل إلى الكنيسة، حيث لم يحترم الطرف الآخر دار العبادة، واستمر في التهجم على كل شيء جميل..
أفكر دوما في قريتنا ومدى تميز النسيج الاجتماعي فيها، وقد كتبت في هذه الزاوية بضع مقالات عن هذا التميز، وهي مقالات لا تكفي لتوضيح هذا التميز الأردني، لكن كتابتي مفهومة بالنسبة للنخبة التي تقرأ هذه الزاوية، سواء نخبتنا الأردنية أم النخبة من خارج الأردن، وقبيل شهر رمضان، كنت أحضر فعالية في فندق الرويال، وبينما كنت أقف مع أمين عمان الأستاذ عقل بلتاجي، وصل إلى المكان دولة الدكتور معروف البخيت، وبعد التحية، شرع عقل البلتاجي بالحديث عن كتابتي بالدستور، فقاطعه الدكتور البخيت بأنه يقرأ مقالتي، وأنه يستمتع بما أكتب عن الربة وأبنائها وذكر مقالات كتبتها عن المرحومين الدكتور اياد ابن بطرس وسمير ابن مخاييل، ولا بد سأجري لقاء مع الدكتور البخيت قريبا، ليحدثني بجديد عرفه من كتابتي عن الربة وأبنائها، علما أنني أتوقع إجابة تشبه تماما فكرتي ومشاعري الشخصية عن النسيج الاجتماعي الأردني المتميز، الذي كان وما زال «عش» آمن دافىء للأردنيين، وقبل عامين تقريبا تواصل معي أحد القساوسة الكبار في لبنان، وقال لي أنا كاثوليكي لكنني أحببت كنيسة الربة الأرثوذكسية لدرجة رغبتي بزيارتها بسبب ما تصفها به..
أنا مستاء جدا من الصخب الذي صاحب «هوشة الزرقاء»، ولاحظت مدى قبح الحديث ورداءته حين يخرج من بسطاء مصابين بلوثة الفكر والمشاعر المتطرفة، ولا أعتقد بأنهم يختلفون ثقافيا عن أولئك الذين ظهروا في شريط الفيديو الذي سجل جانبا من «الهوشة»، ولم يخفف من استيائي سوى قراءتي بعض التعليقات الأردنية الحقيقية للرد على بعض التحليلات، فمشاجرة طرفها بعض البسطاء من الشارع يمكننا أن نتوقع فيها كل شيء حتى القتل، وهو أبشع من التهجم على بيوت الناس وبيوت الله، ولو لاذ طرف المشاجرة إلى بيت أو مسجد أو أية عمارة أخرى، لرأينا المشهد ذاته، فالمتشاجرون غاضبون ولا يملكون هذا المقدار من الحكمة والوعي، ومشكوك في سلامة أخلاقهم، بناء على الألفاظ التي كانوا يطلقونها بشكل مسموع تماما في الفيديو المذكور، لكن سبب استيائي الأكبر هو تعليقات وتحليلات بعضهم، حين وجهوا حديثهم إلى منحى يستفز الناس، ويضفي على الخبر التافه إثارة غير محمودة ..
تعالوا إلى الربة، واقرأوا تاريخ أهلها لتتأكدوا بأن الأديان لا تفرق بيننا، بل تجمعنا على قيم شريفة نبيلة ترفع من قيمة الانسان وتحترمه وتحترم قناعاته واعتقاداته.
وأبناء الربة يتكفلون بتنظيف المساجد والكنائس، ومستعدون أيضا للاشتراك في الهوشات حين تكون «محرزة»، لكننا لا نعدكم بتنظيف النفوس الممسوخة.
أما عن هوشة الزرقاء فهي والله «زعرنة»، والحديث عنها بغير هذا هو عيب وإساءة للأردن ونبش للعش ،ونترفع بأن نتحدث عنها بغير هذا.