صفدت الشياطين فانطلقت أخرى


من الطبيعي أن تتغيّر كيمياء أجساد الناس ومعها مزاجهم في رمضان، فتصبح مع الامتناع عن الطعام والشراب، وقلّة النوم، أكثر حديّة، ولعلّ هذا هو السبب الرئيس في وجود الشهر الفضيل أصلاً، من حيث القدرة على السيطرة على النفس ضمن هذه الأجواء الإستثنائية.

رمضان، كما نفهمه، أيام معدودات هدفها إختبار النفس، وامتحان الناس على إمكانية تجاوز الغضب والإساءات بالتسامح ، والجوع والعطش بالصبر، وافتراق الأهل خلال السنة باجتماعهم على مائدة واحدة، وكلّ المعاني العظيمة، النبيلة، التي تجعله في آخر الأمر شهراً فضيلاً عظيم الأهداف.

ونتذكّر أنّ هذا ما كان من الناس طوال الرمضانات التي عشناها، ولا نقول إنّنا كنّا نعيش في جنّة الله على الأرض، فلم تكن تخلو الأيام من تعكير صفوها هنا أو هناك، ولكنّها كانت تنتهي دوماً على أرضها، وبين ناسها، ويا دار ما دخلك شرّ.

وينتصف الشهر الفضيل اليوم، لنكتشف أنّنا عشنا أياماً تتناقض تماماً مع تلك الأهداف والمعاني، وكأنّ كثيراً من الناس شربوا كأس الشرّ، وتملّكتهم شياطينهم بعد أن صُفدت الشياطين، فاجتاحت جغرافيا الوطن، بكلّ مكوناتها، موجات العنف المجانية، ولأسباب "تافهة” مع الاعتذار للتعبير، ويبقى أنّ هذه تمدّدت حتى أصبحت ظاهرة ينبغي أن تخضع لدراسة جادة