مخرجات التعليم العالي وسوق العمل

الدعوات المتكررة لجلالة الملك المعزز لضرورة العمل على إصلاح وتحسين جودة ونوعية التعليم العالي في المملكة كواحد من المفاصل الرئيسة في مسيرة الاصلاح الوطنية التي يتبنّاها جلالتهعلى سبيل تحقيق المواءمة بين مخرجات التعليم العالي من جهة واحتياجات سوق العمل من جهة أخرى وذلك من خلال خطة عمل وإستراتيجية عملية واضحة تنهض بواقع التعليم العالي في المملكة من جوانبه كافة.
ولعل رؤية جلالته في هذا الصدد تضع برامج وخطط التعليم العالي على سلّم الأولويات الوطنية وخصوصاً مسألة المواءمة بين مخرجات التعليم العالي وسوق العمل. والطرح هنا للتوجه صوب التعليم التقني ولتأطير التخصصات المطلوبة والمشبعة والراكدة وفق إحصائيات دقيقة لا فزعوية، لتنوير طلبتنا الجامعيين وتبصيرهم بالتخصصات ذات الجدوى في سوق العمل قبل اختيارهم للتخصص الجامعي وإلا فإنهم سينضمون لطوابير العاطلين عن العمل من خريجي الجامعات الذين ينوف عددهم السنوي من الجامعات الأردنية لوحدها عن حوالي خمسين ألفاًوالمتقدمين لديوان الخدمة المدنية أكثر من 380 ألفاً لا يتوظّف منهم سوى 6 الى 7 بالمئة سنويا في تخصصات تعليمية وصحية مطلوبة.
وترجمة لهذه الرؤى الملكية السامية وعلى أمل إصلاح مسيرة التعليم العالي فإن وزارة التعليم العالي عليها واجب في مطبخها الداخلي لاتخاذ رزمة قرارات عملية وجريئة وبالسرعة القصوي للحد من تكرار التخصصات وتجميد القبول في التخصصات الراكدة والمشبعةفي الجامعات الرسمية والخاصة على السواء، والتوسع بالتعليم التقني وبيئته الحاضنة وبمساقات التعليم الالكتروني والتعلم عن بعد وإعداد برامج لتأهيل الخريجين لسوق العمل من خلال إعادة تأهيل الخطط الدراسية لمواكبة متطلبات العصر وتوجيه كليات المجتمع الى مسارها الصحيح بالتركيز على تخصصات تطبيقية تقنية بحتة وليست اكاديمية وأن تقوم الجامعات باعادة بلورة أسس جديدة للتجسير يضمن الإبقاء على الأهداف التي أنشئت من أجلها وليس للمسارات الأكاديمية وضرورة التركيز على تطوير مهارات الحياة العصرية للخريجين وتفعيل وحدات متابعة الخريجين في الجامعات وصناديق الملك عبدالله الثاني للتنمية وتطوير الخطط والبرامج الدراسية وتحديثها بما يتوافق مع متطلبات التنميةالوطنية والإقليمية مع مراعاة التطورات العلمية والتكنولوجية على المستوى العالمي وتطوير كليات ومعاهد التعليم الجامعي المتوسط لتخريج مهنيين وفنيين وحرفيين ذوي كفاءة عالية في التعليم التقني، والعمل على دعم بيئة التعليم التقني، ليتواءم ذلك مع خطط التنمية الوطنية والإقليمية والإرتقاء بمستوى البحث العلمي والدراسات العليا ودعمهما ورفعمستواهماوإعطاء دور اكبر للقطاع الخاص في تطوير البحث العلمي وبخاصة البحث العلميالتطبيقي الذي تتطلبه خطط التنمية الوطنية.
وبالمقابل فإن الجهد الوطني التكاملي يجب أن ينصبّ على فتح آفاق لفرص عمل جديدة للخريجين على المستويين المحلي والاقليمي من خلال إتفاقيات عمل دولية لهذه الغاية وخصوصاً في دول مجلس التعاون الخليجي الشقيقة، مع ضرورة خلق ثقافة مجتمعية تؤمن بالعمل في القطاع الخاص لأنه لم يعد ممكنا أن يستوعب القطاع العام الأعداد المتزايدة من خريجي الجامعات في ظل شبح البطالة المتنامي، مع ضرورة تذليل العقبات والتحديات التي تواجه الجامعات في سبيل توفير فرص العمل للخريجين، ولعل تفعيل مشاريع الشراكة ما بين القطاعين العام والخاص والمشاريع الاستثمارية الأخرى تعتبر حاضنات عمل وتفتح فرصاً جديدة لسوق العملإضافة الى خلق ثقافة مجتمعية نابذة لثقافة العيب للقضاء على البطالة المقنّعة، وثقافة مجتمعية معزّزة للعمل المهني والتعليم التقني المطلوب وأخرى لمواءمة القدرة العلمية للشباب مع التخصصات، وثقافة أخرى لإقناع الأهل بضرورة القبول في التخصصات التقنية والمهنية المطلوبة لسوق العمل وليس شرطا أن يكون كل أبناءنا منهدسون أو أطباء!
ولهذ كلّه فإن مواكب الخريجين التي نراها تلوّح بشهاداتها بيديها فرحاً أيام تخريجها وتفكّر بذات الوقت بفرص العمل المتوفرة، نخشى أن يكون لديها في القلب غصّة في حال عدم مواءمة تخصصاتهم لما هو مطلوب في سوق العمل! وإننا نتطلع الى إعادة تقييم مسيرة التعليم العالي وفق مرجعيات ومؤشرات عصرية نوعية ووفق رؤية تشاركية يساهم فيها صاحب القرار ومتلقّو الخدمة ومقدّموها والمجتمع برمته لغايات المواءمة بين مخرجات التعليم العالي وسوق العمل وإلّا فإننا سنبقى نُكدّس أعداداً متوالية من الخريجين غير المطلوبين لسوق العمل ونتعامل مع هبات وفزعات إصلاحية أكاديمية وتربوية لا ترقى بنوعية التعليم الذي وصلنا إليه!