ألغام على طريق الحكومة ..
سواء أكانت حكومة مؤقتة، أم هي ذاتها الحكومة التي ستطرح برنامجها لنيل الثقة من مجلس النواب القادم، فإن أبرز التحديات التي تواجهها متعلقة بالشارع، وبرغبة متأصلة لدى بعض الجهات لإعادة انتاج الحراك، لكن بطريقة جديدة ورشيقة هذه المرة، حيث المطالب السياسية الاصلاحية المعروفة تتقهقر، وتبرز المطالب المعيشية البسيطة، التي لا يمكن لأحد الوقوف ضدها بغير علم وحصافة وإلمام بالوضع الاقتصادي الذي تواجهه الحكومة والدولة..
قد تكون «جمعة مشمشمية» للداعين لإعادة انتاج الحراك، فبعد التعديل الدستوري الذي ضمن للحكومة استمرارا لمدة 4 سنوات نيابية، طالما لم يقم مجلس النواب بطرح الثقة عنها، تم تفويت الفرصة على الذين كانت مهنتهم أن يطلقوا الحملات ضد الحكومات ابتغاء تغييرها، وكانوا دوما ينجحون، لكن على هامش هذه الحقيقة ثمة جهات تريد استغلال اللحظة، لإعادة الورقة الشعبية إلى الشارع، وبدأنا نتابع أحداث ودعوات صريحة للتأزيم مع الحكومة، وكل يوم نقرأ تحليلات وتصريحات عرفناها سابقا، تتحدث عن الليبرالية والديجيتال والخبرة والكفاءة والدور الرعوي للحكومات..الخ الرواية.
أخطر ما في هذه القصة متعلق بالانتخابات نفسها، فالموسم هو موسم خطابة وكلام، وسوف يحاول المرشحون مهاجمة السياسات العامة والأشخاص، ابتغاء النجومية والشعبية، وهو أمر معروف في أية انتخابات حول العالم، لكن حين يكون هذا الخطاب التعبوي الشعبوي يلقى على مسامع «الحراكيين»، ويداعب مطالبهم التي تقفز عن المنطق غالبا، فهذا مكمن الخطورة، حيث ستتحول المقرات الانتخابية إلى ما يشبه المهرجانات الخطابية التي تقيمها المعارضات السياسية ضد الحكومات، وسوف تتحول غالبية المرشحين إلى «مناضلي فجأة»، الذين لا يتقنون سوى فن الهجوم على الحكومات، ولا بد ستكون الحكومة في مرمى سهامهم جميعا..
حكومة الملقي انطلقت بخطوة نوعية تجاه الشارع، واستغلت صفة «اللاشعبية» التي كانت توصف بها قرارات وخيارات الحكومة السابقة، فاتجهت إلى الميدان، وشاهدنا منذ الأسبوع الأول من عمر الحكومة، توجهات وقرارات وزيارات تتقصى التخفيف عن المواطن، خصوصا مع حلول شهر رمضان الكريم، حيث كان موضوع أسعار السلع والمظاهر الاحتكارية من أهداف هذه النشاطات والقرارات الحكومية، وهذه بداية مطلوبة ومحمودة لاقت استحسانا لدى الناس، على الرغم من محاولات بعضهم التقليل من شأنها، إلا أنها كانت الانطباع المحمود الأول عن الحكومة، والذي قد يبني جسر الثقة الشعبية الأول بعد فقدانه خلال عمر الحكومة الماضية..
يسهل اعتبار الخطاب (التثويري القادم) مجرد دعاية انتخابية، يخبو وتخبو معه المزايدات مع انتهاء التصويت للانتخابات، لكن وقود هذا الخطاب «النووي» سيكون مستمدا من أخطاء المسؤولين في المؤسسات الحكومية، فهو سيقدم كل الذرائع للتصعيد الشعبي، وانتاج الأزمات التي لن تخلو من المزايدات..
الإعلام المهني الوطني؛ سيتحمل الجزء الأكبر من هذا الاختبار العسير، وتكون الطامة كبرى بحق، حين يتم استهداف هذا الاعلام من قبل بعض المسؤولين، ويكون الحال كمن «كسر عصاه ودخل في اشتباك مسلح» !، وهذا موقف يبعث على السخرية وينم عن سذاجة وجهل في أصول العملية السياسية والإدارية، حين تتجرد من السلطة الرابعة والحقيقة، وتضعها في صف المعارضة أو التهميش والإقصاء على أقل تقدير..
هذه تحديات في وجه الحكومة الحالية، وفي وجه الدولة عموما، يجب التعامل معها بحصافة، خشية عودة احتمالات الانفلات، وهدم كل الجميل الذي بناه الأردن وحققه خلال سنوات عجاف حبلى بتحديات كبرى وأزمات لم تنته بعد ولم يتم تحييد خطرها.
انتو فاهمين علي طبعا..الله يفتح علينا وعليكو.