بريطانيا وأوروبا والمتطرفون
في بريطانيا يختلف اليمين العنصري واليسار المتطرف على كل شيء، لكنهما يتفقان على الانفصال عن الاتحاد الأوروبي. وإذا كانت مبررات اليسار، السابق ذكرها، تستميل جزءاً بسيطاً من الرأي العام، فإن مبررات اليمينيين تستميل الأكثرية للتصويت الخميس المقبل إلى جانبهم. يعتمد هؤلاء خطاباً مغالياً في الوطنية، يصورون أنفسهم حماة الإنسان الأبيض الذي تنتهك حقوقه قوانين الاتحاد. هم ما زالوا في عصر الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، يحملون دروع القرون الوسطى ويمتطون الأحصنة الإنكليزية لاحتلال البلدان، ونشر قيمهم. يقولون إن الاتحاد فتح الحدود أمام مئات الآلاف من المهاجرين الأوروبيين وغير الأوروبيين وأن بلادهم تتعرض لغزو البرابرة الذين ينتهكون حرمتها، ويغتصبون نساءها، وينشرون الإرهاب في أرجائها. وينسى هؤلاء ومؤيدوهم أنهم خارج الاتحاد سيعيشون في جزيرة صغيرة مغلقة. جزيرة لا تستطيع العيش من دون المهاجرين الذين يعملون أطباء في المستشفيات، وموظفين في المصارف، وسائقي قطارات، وفي تنظيف الشوارع وجمع القمامة. لم يستوعب هؤلاء بعد أن عنصريتهم ستجعلهم يشيدون الجدران حولهم. ومن يعيش داخل الجدران يسجن نفسه، ولا يمنع الآخرين من دخولها. أليس هذا ما يدعو إليه زعيم حزب «المملكة المتحدة المستقلة» نايجيل فراج، أو عمدة لندن السابق بوريس جونسون الذي لا مثيل له في التطرف سوى المرشح الجمهوري في أميركا دونالد ترامب.
حملة اليمين المتطرف أدت إلى إقدام أحد العنصريين على اغتيال النائب العمالية جو كوكس، بدم بارد. وحتى لو كان الرجل مختلاً عقلياً، كما يشاع الآن، فالدعاوة العنصرية والتحريض على مؤيدي بقاء بريطانيا جزءاً من الاتحاد الأوروبي، دفعته إلى اغتيال النائب التي كانت ناشطة في الطرف الآخر.
تعيش بريطانيا مرحلة خوف من المستقبل. خوف على وضعها الاقتصادي والمالي، وعلى مستقبلها السياسي، في ظل التطرف والمتطرفين الداعين إلى الانعزال بحجة المحافظة على عظمة الإمبراطورية، على ما يدعي العنصريون، أو التمسك بالحريات الديموقراطية وعدم الرضوخ لقوانين لم يشاركوا في صوغها، على ما يقول اليساريون المتطرفون.