العلوم والتكنولوجيا تمنح الطب لسعودي متوفي..!ا
لا أعلم حقا؛ كيف يرف الجفن دمعا على فقيد لا تعرفه، ولم يسبق لك رؤيته، ولم ينتقل إلى رحمة الله بحادث من تلك التي تجري في أدغال الوطن العربي..
تملكتني حالة ما من الحزن على الطالب السعودي محمد السهلي، الذي تم إيفاده من المملكة العربية السعودية قبل سنوات لدراسة الطب في جامعة العلوم والتكنولوجيا، وكان متفوقا في كل شيء، قبل أن يناديه القدر فيلتحق بالرفيق الأعلى، إثر توقف قلبه عن النبض، حين قام صديقاه، وهما زميلاه في السكن بمحاولة نقله للمستشفى من حالة ربو داهمته، ولم يصمد قلبه أمامها، فتوفاه الله، وصعدت الروح إلى بارئها عبر سماء إربد، فعرجت إلى السماء، وبقي ذكره الطيب فينا..
الوفاء الكبير الذي عبرا عنه صديقاه وزميلاه في السكن، راكان الشعلان وحسام الحربي، هو قصة إنسانية أخرى تستحق الذكر والإشادة، فقد فعلا كل ما يمكنهما إكراما لروح صديقهما الذي غادرهما بلا مقدمات، إذ يقول والده جدي بن محمد السهلي للعربية نت:» عاجزون عن شكر زملائه في السعودية بما قاموا من أعمال خير وصدقات قدموها باسم ابني محمد من كفالة أيتام وإقامة مساجد ومصليات في مناطق مختلفة وهذا يدل على وفائهم تجاهه» ..
الوفاء كان كبيرا أيضا من جامعة العلوم والتكنولوجيا، التي منحت الطالب المتوفى محمد السهلي رحمه الله شهادة الطب، وحققت أمنيته بعد وفاته، وهي الأمنية التي غادر أهله في السعودية ليطاردها في جامعة العلوم والتكنولوجيا، وأبلى فيها حسنا، قبل أن يحين موعد رحيله إلى الرفيق الأعلى مرحوما بإذن الله..
لا كلمات عزاء تكافىء أو تخفف من حزن أهله عليه، لكن القلب يرق لمثل هذه الأخبار الانسانية المؤثرة، وتشعر لدى علمك بها بأنك قريب من هؤلاء الناس، تتألم لمصابهم رغم عدم معرفتك بهم، فالقصة تتكامل أحداثها بلمسات الوفاء الانسانية التي تصدر عن جامعة العلوم والتكنولوجيا، حين تصدر شهادة الطب باسم هذا الطالب السعودي، وهو موقف تستحق عليه كل الاحترام، فهو نبأ يسلط الضوء على سلامة وصحة قلوب من يديرون شأنها، إذ لا يغفلون الوفاء لطالب من طلاب كلية الطب في جامعتهم، تخفيفا لفجيعة أهله به، حيث مات شهيدا في طلب العلم..
أقدر كل المواقف الطيبة التي صدرت عن جامعة العلوم والتكنولوجيا وعن والد الطبيب المرحوم محمد السهلي، كما أقدر وفاء أصدقائه له، وكل وسائل الإعلام التي لم تغفل إبراز هذه القصة للناس، ولا أدعي بأنها قصة لا تحدث في الدنيا، أو أن أحدا معصوما من الموت، لكنني أكتب وأنا أعلم جيدا لماذا يرق القلب لدى قراءة خبر ما، ولماذا يرف الجفن بدمع حار على أشخاص لا تعرفهم..
رحم الله الطبيب محمد السهلي، وتقبله عنده شهيد علم، خرج من بيته في سبيل طلب العلم، فطافت روحه في سماء إربد، تحرس الوفاء وأهله، وتوصينا بتخفيض الجناح لكل من جاء إلى بلدنا طالبا لعلم، خصوصا حين يكون شقيقا من إخوتنا في الخليج العربي..
رحمه الله وأحسن مثواه إن قصته جعلتني أعوم في بحر من مشاعر إنسانية، نحتاجها كلنا لندرك بأننا بشر تنتفي بشريتنا إن لم نتعاطف مع مصائب غيرنا..
أتمنى على كلية الطب في جامعة العلوم والتكنولوجيا؛ أن تطلق اسم محمد السهلي على قاعة تدريس أو مرفق من مرافقها، فمهنة الطب تصبح أكثر احتراما وقداسة حين تلتصق بمشاعرنا الإنسانية، لهذا هي مهنة إنسانية تحظى باحترام جميع الشعوب..
افعلوها احتراما لروح طالب كليتكم ووفاء للشقيقة السعودية، ولأشقائنا الطلبة السعوديين ولكل طلاب العلم الوافدين إلى جامعاتنا الأردنية، واطلبوا الرحمة لمحمد السهلي طيب الذكر والصيت.
رحمه الله وأحسن عزاء ذويه..