جرائم .. من المستفيد
لا أعلم لماذا كلما قرأت عن حوادث القتل المفجعة سواء في منطقتنا أو في الدول الغربية، استذكر كتاب "دمروا الإسلام أبيدوا أهله”، والذي يتمحور حول الممارسات الوحشية التي مارستها القوى الصليبية عند سقوط الأندلس. ما يجعل النفس تنقبض أن جميع ما يجري الآن في منطقتنا يخدم هذه الفكرة القائمة على تدمير المجتمعات الإسلامية من الداخل قبل أن يكون من الخارج… وما تأسف له النفس أيضا أنه بعد كل حادثة إرهابية سواء كانت في الولايات الامريكية المتحدة أو في أي بقعة من بقاع الأرض أصبحنا نضع أيادينا على صدورنا ونترقب بحذر شديد توجيه اصابع الاتهام الى الاسلام والمسلمين وخصوصا عندما يكون المتورطون لهم علاقة سواء من قريب أو من بعيد بأي شي عربي أو إسلامي.
فعلا سبيل المثال الحادث الإجرامي الأخير الذي ارتكبه شخص لا يربطه شيء بالإسلام سوى اسمه ومنبعه. في مدينة أورلاندو في الولايات المتحدة والذي بفعلته الشنعاء قدم خدمة للمرشح الجمهوري دونالد ترمب لم يكن يحلم بها خصوصا بعد سلسلة من السقطات الإعلاميه في الآونة الأخيره.. مما عزز القناعات لدى الكثير من الأمريكيين بأن ترمب على حق فيما ذهب إليه من خطر الإسلام والمسلمين على المجتمع الأمريكي.. بلا شك أن حادثة إطلاق النار في أورلاندوا لم تكن دوافعها ذات خلفية متطرفة إسلامية كما تدعي السياسة الأمريكية وماكينتها الإعلامية.. إلا أنه ما أن تكشفت خلفية القاتل بإنه من أصول إسلاميه أفغانية.. حتى باشرت أصابع الإتهام بتوجيه التهم للإسلام والمسلمين عامة.. ومما زاد الطين بلة قيام ما يسمى بداعش بإعلان مسؤوليتهم عن هذا الحادث، وهذا طبعا كان متوقعا، ولا تحتاج القضية لكثير من الذكاء لفهم أن ما جرى هو عمل فردي من شخص استاء من قيام بعض الأشخاص بممارسات لم يستسغها عقله فقرر القيام بفعلته وقتل من قتل.. وما غاب عن الإعلام أيضا.. أو بالأحري ما تعمد الإعلام الغربي والأمريكي على وجه الخصوص بتجهاله، هو أن عددا ليس بقليل من الضحايا قد قضوا برصاص الشرطة الأمريكية أثناء تبادل النار مع القاتل… ما أن أخذت بعض التفاصيل تظهر للعلن عن الحادث وخلفية المجرم حتى علا صوت ترامب مطالبا أوباما بالتنحي الفوري ومذكرا بتحذيراته من المسلمين ومطالبا بوضع حد لدخول أي مسلم إلى الأراضي الأمريكية .
سارعت وسائل الاعلام الغربية والامريكية الى اتهام المسلمين بالارهاب وربطت دعوة "داعش" انصاره الى تنفيذ عمليات ارهابية في شهر رمضان في كل من الدول الاوروبية والولايات الاميركية وفقا لتسجيل نشر على موقع التواصل الاجتماعي تويتر للناطق باسم التنظيم ابو محمد العدناني والذي اكد على اهمية الهجمات الفردية في الغرب لتي كان قد نفذها التنظيم ومدى فعاليتها، في إشارة إلى العمليات الإرهابية التي نفذها أنصار لـ "داعش" في باريس وبروكسل والولايات المتحدة الأميركية.
ليس دفاعا عن المجرم عمر ماتين ولا تبريرا لفعلته الشنيعة، ولكن لقول كلمة بأن الدين الإسلامي الحنيف السمح ما نادى ولا ينادى في يوم من الأيام بقتل الناس بغض النظر عن منابعهم وعرقياتهم دون وجه حق. فلمجرد أن القاتل كان قد اتصل ب ٩١١ وأعلن انضمامه لداعش أو لمجرد أنه نادى بصرخات الله أكبر وهو يفعل فعلته، بحسب الرواية الأمريكي، فلا يعني أنه من الإسلام بشيء. هو متطرف لا ريب لكن التطرف ليس مقصورا على ديانة ولا على عرق، فالتطرف اعوجاج في السلوك وتطرف في الفكر وليس بالضرورة الدين.
الغريب أن الجميع تجاهل ما صرحت به طليقة المجرم والتي قالت فيها أن منفذ هجوم أورلاندو "شاذ" وكان من رواد النادي الذي هاجمه ودوافع الهجوم مرتبطه بظروف نفسيه وكرهه لذاته ولهذه الفئة .
الخبل السياسي الذي يتهكم به تنظيم داعش قد أثر بانعكاسات سلبية كبيرة تركتها تلك العمليات الاجرامية أساءت للإسلام، والمسلمون في الغرب يدفعون اليوم ثمناً غالياً في التطاول على حقوقهم كمواطنين، وتنتابهم مشاعر قلق كبيرة حول مستقبلهم في المجتمعات الغربية التي ينتمون إليها.
حين يكون الجهل سيد الموقف، اساءة المتأسلين انفسهم للدين الحنيف ، تعطي الآخرين الفرصة والمبرر لكيل التهم لهذا الدين السمح لان ضيق الافق هو الحاكم على فكرنا ومشاعرنا. لا نعلم إلى متى ستبقى الحال كما هي الحال ولكن لا يسعنا إلا أن نقول حسبنا الله ونعم الوكيل.. وسيعلم الذي ظلموا أي منقلب سينقلبون…