الحراثون !

سألني أحد الأصدقاء عما قصدته في مقالي السابق « بالعقل السحري « بدل العصا السحرية التي تحتاجها الحكومة لحل المشكلات الكبيرة التي يواجهها اقتصادنا الوطني ، فكان جوابي العقل القادر على التفكير خارج النمط السائد الذي نتحدث عنه منذ سنوات ونحن نعلم علم اليقين أنه لن يفيدنا في شيء.

نحن نتحدث عن مديونية عالية وعن الفقر والبطالة ، وعوائق الإنتاج والتسويق الصناعي والزراعي، ونحيط ذلك كله بأحاديث عن ترهل الإدارة العامة ، وتدني مستويات التعليم والصحة والنقل والخدمات وغيرها، وصرنا نملك من القدرة ما يفوق التوقعات على الوصف والتحليل، واقتراح الحلول، وصار عندنا أطنان من الورق، ما لو إن حرقناه لزودنا بطاقة حرارية هائلة.
عملت الحكومة السابقة على نظرية يمكن اعتبارها غاية في البساطة « زيادة مداخيل الدولة وتخفيض النفقات « ولم تجد طريقة لزيادة مواردها إلا من خلال رفع الضرائب والرسوم ، والتخلي عن دعم بعض السلع الأساسية ، الأمر الذي أدى إلى حالة من الاستياء الشعبي ، ولم يؤد إلى حل أي مشكلة من المشكلات التي أشرنا إليها ، أو التخفيف منها ، وفي أحسن الأحوال يمكن القول إن الحكومة وضعت حدا لما هو أسوأ ، ولكنها لم تنجح في فعل ما هو أفضل.
قلنا في مناسبات كثيرة إن الأردن مستقر من النواحي السياسية والأمنية ، فجلالة الملك استطاع أن يقود سفينة الأردن إلى شاطئ الأمان حين كانت تنهار دول من حولنا ، ليس لأن اقتصادها فاشل ، بل لأن قياداتها كانت فاشلة ، وحين فرضت ظاهرة الإرهاب نفسها على المشهد الإقليمي والدولي ، كان جيشنا العربي وأجهزتنا الأمنية في مواجهة مباشرة مع المنظمات الإرهابية لكي يظل الأردن آمنا ومستقرا ، وهذا ما حدث، رغم محاولات الاختراق البائسة.
نحن بلد قام على فكرة « يد بالمعول ، وأخرى بالسلاح « فالجزء الأول من الفكرة أو الحكمة يقوم على العمل في الميدان، وتعبير الحراثين عندنا لا يعني بالضرورة العاملين في الزراعة ، وإنما كل من يشمر عن ساعديه لكي ينجز في الميدان ، فحين نرى اليد الأخرى التي تمسك بالسلاح تنجز على الأرض أمنا واستقرارا لا جدال فيه، فإنه يتوجب على اليد التي تحمل المعول أن توازي اليد الأخرى، وتعمل على المستوى نفسه من الكفاءة والمقدرة.
الجيش ليس مجرد قيادة عليا، إن قاعدته الأساسية هي الجنود، الذين يقابلهم في الحياة المدنية الناس باختلاف أعمارهم، فحين ندعو الحكومة الجديدة إلى العمل بعقل وقلب وروح الحراثين، فذلك لكي تعطي الدليل على أنها قادرة على حل المشكلات ، وتخطي العقبات، ولكن الأهم من ذلك أن تقدم النموذج الذي يجعل الشعب أكثر حيوية ونشاطا وأملا ، فقد ظل الأردنيون يستعيرون دائما من الحراث صبره وهو يعد الأرض لموسم خير جديد.