ريموت كونترول ..

فيه ناس بيشتغلوا عن بعد..وأيضا عن قرب، وبكبسة زر.

أما في رمضان، فجهاز التحكم يجب أن يكون في قبضة اليقظ الورع، الذي يطارد أجر الصيام والقيام والبركة، ويلاحق تقوّس الهلال بتفاصيل العبادات كما يراها ويطمئن إليها.. لكن ماذا يفعل مع شاشة التلفزيون في رمضان؟ وكيف يتعامل مع «الريموت كونترول»؟
الناس متعبون من الصيام، والتركيز لديهم قليل، وتمر الدقائق ببطء شديد، حتى يكاد بعضهم يرى الزمن رأي العين، وبسبب ساعات الصيام الطويلة، يلجأون للتلفاز، وبالكاد تستقر عيونهم دقائق على محطة فضائية واحدة، لكن بعضهم يجتمعون، ويتابعون الفجاجة الكلاسيكية، ولا بد أن مشاهدتهم للتلفزيون أصبحت ميكانيكية بدورها.. المهم يمشي الوقت.
أجريت لقاء إذاعيا مطولا مع نقيب الفنانين ساري الأسعد، ليتم بثه في شهر رمضان، وجل اللقاء كان يتعلق بالفنان الأردني، والدراما في شهر رمضان، حيث شعرت بالسعادة منذ المداخلة الأولى للفنان ساري الأسعد، حين كشف عن عودة قوية للدراما الأردنية على الشاشات العربية، خصوصا شاشات الخليج العربي، وتحدث الأسعد بأن لمؤسسة الإذاعة والتلفزيون الفضل الأكبر في هذه العودة، حيث قامت المؤسسة بإنتاج 3 أعمال درامية أردنية ضخمة، تعرض على أهم وأقوى الشاشات العربية وأكثرها متابعة في شهر رمضان الكريم، وهذا خبر أسعدني بلا أدنى شك، بخاصة وأنا أتابع هموم الفنان الأردني، ومشاكل الإقصاء والتهميش التي تعرض لها على امتداد ما يقارب ربع قرن من الزمان..
وأذكر بأنني كنت مواظبا على حضور الاعتصام المفتوح الكبير، الذي نفذه الفنانون الأردنيون قبل عدة أعوام، واستمر قرابة شهر، وكان حافلا باللقاءات الجماهيرية النخبوية السياسية والاعلامية والثقافية والفنية.. وقيل فيه الكثير عن مشكلة الابداع الأردني، وعن اضمحلال الهوية الثقافية الأردنية، المتأتي من تغييب دور سفرائها وهم الفنانون، فهم مسؤولون إلى حد كبير عن بناء الهوية الوجدانية الأردنية لدى كثيرين من المتلقين الأردنيين، وبعد كل هذا الصيام القسري عن الابداع الأردني، يعود التلفزيون الأردني من جديد لينتج دراما أردنية، يقول عنها ساري الأسعد بأنها «أردنية صرفة»..
من بين أهم ما لمع في حديث ساري الأسعد، كلام متعلق بالمشاهد العربي الخليجي، إذ قال الأسعد: ثقافتنا واحدة مشتركة وقيمنا كذلك، والعمل الدرامي الأردني ملتزم بهذه الثقافة وتلك القيم، فيجد الخليجي نفسه مرتاحا حين يتابع عملا دراميا أردنيا عبر التلفاز، فهو لا يضطر إلى تغيير القناة على امتداد الحلقة، لأن ليس فيها ما يخدش حياء المشاهدين الخليجيين».. أي أن لا داعي أن يقوم أحدهم بالسيطرة على «الريموت كنترول» وتكون وظيفته مراقبة «مضمون ومحتوى» ما يشاهده أطفاله وأهله. . والله كيفية.
أشعر دوما بأنه ثمة عمل ابداعي درامي عربي مفقود، فأكثر قصص الدراما البشرية إثارة تحدث بلا انقطاع في الوطن العرب، لكن لا عمل دراميا عربيا عالميا نشاهده أو نسمع عنه، ولا أعلم بالضبط سبب عدم وجود مثل هذه الأعمال حتى الآن، حيث كنا نعزو غيابها إلى حالة الحريات المصادرة وتكميم الأفواه ودفن الإبداع، لكن الآن لا يمكن لأحد أن يزعم هذا الزعم وهو على ثقة بأنه يتحدث صوابا، فالكرة في مرمى المنتجين وكتاب السيناريو والفنانين أنفسهم، وليس للحكومات من هامش كبير للتأثير على انتاج او منع انتاج مثل هذه الأعمال، ونتمنى لو نسمع أو نشاهد مجموعة من هذه الأعمال الكبيرة، التي تتحدث عن معاناة البشر في هذا الجزء من الكوكب، فقد تعرفنا إلى شخصيات كالقطط والكلاب والشياطين من خلال أفلام سينمائية أجنبية، وعلمنا عن مشاكل إنسانية كبيرة تتعلق بقضايا في المحاكم الأجنبية الديمقراطية، تتحدث عن عبوس عامل في وجه صديقته، وعن أخرى تتألم نفسيا من عدم شعورها  بالارتياح في علاقاتها مع الجنس الآخر، بسبب «بكس» تعرضت له من شاب حين كانت فتاة في المدرسة..
هل لدينا دراما تحاكي مستوى بؤسنا وقهرنا الإنساني كعرب نحيا على هذا الكوكب؟ .. إسألوا من يحمل الريموت:
هل من محطة فضائية تتحدث عن العربي كإنسان يتمتع بكامل الحقوق وينبع منه نهر إحساس إنساني غزير ؟!.اقلبوا عليها..