مخيم البقعة

لم يحدث وأن رأيت مخيم البقعة بيفرلي هيلز مثلا، ولا حتى جبل التاج. طبعا هو مخيم للاجئين الفلسطينيين، وهو الى ذلك بؤرة للعذاب والشقاء لمن لا يعرف، عشت ردحا من الزمن بين براكياته، وقني مياهه الآسنة، وتجاهله المتقصد.
لبدت كأي طفل في مدارسه الاسبست المسرطنة، والمثقب، والمكسرة. كانت في الصيف تلقي علينا بجحيمها، وفي الشتاء تزمهرنا من البرودة، وتصيبنا بأمراض يعلم الله فقط كم هي مريعة، وما تزال تلاحقنا آثارها الى اليوم.
أيضا لم يحدث وأن بدا لي هذا المخيم مختلفا عن الجحيم، بيد أن فيه حالة تستعصي على الفهم القاصر -ربما، حالة من انتباه قاطنيه، الى أن الحياة يجب أن تعاش بطولها وعرضها.
آتي على هذه السيرة المتقشفة لمكان لاذ أصحابه بالألم، وعاشوه بصمت، ولم ينفروا من الحياة، في ظل صفيح واسبست قاس، وهو يعيش تحت مطارق العزل والتهميش. ورغم ذلك لم يلو عنقا، ولم يطلب أكثر من حقه في حياة معقولة ومحتملة، هو يصنعها بمن يسكنون جنباته.
ومن الطبيعي أن يكون مخيم بحجم البقعة، وبتركيبته الاجتماعية المثقلة بالفقر والفاقة، غير لافت لأنظار العالم. فالمكان الذي اعتاد أبناؤه على الكد 24 ساعة في اليوم، إنما هو محطة تشهق كل صباح بآلاف الحالمين بالأمل، أولئك اللائذين بالخبز وكفاف اليوم، ليعودوا الى أبنائهم برزق الطيور.
لا أعرف -وقد عشت في جنباته، أنه ملاذ للموت، كما يصوره بعض المصابين بلوعة الخوف، والمرتابين حتى من أحلامهم. كنا نركض في زقاقه، وحين يكبو أحدنا لم يكن يذهب الى براكية العائلة، كانت تلتقطه أي امرأة من نساء الجوار، وتعالجه بما ملكت يمينها من أعشاب وأشربة ساخنة وطعام.
ومخيم كهذا، ليس في نيته أي حماقات أو طيش. إنه يريد أن يرى الضوء فقط.