حكم العشائريّة: واقع مؤلم ونتيجة مرّه...؟!
حكم العشائريّة: واقع مؤلم ونتيجة مرّه...؟!
هل بات معيار العشيرة يحكمنا في كل شيء؟ انتماؤنا لمن؟ هل هو للدولة أم للعشيرة؟ وهل نعيش الآن في هذه الأحوال في ظل وحماية دولة أم انتقلنا فعليّاً لعصر العشيرة وحمايتها؟ هل سادت روح العشيرة حتّى تفشّت وتغلغلت في عقول وفكر الفئات والجماعات القياديّة العليا في المجتمع؟
لا تفتأ الأسئلة السّابقة وغيرها؛ تمر على خاطر الجميع بعد أن شاهدوا عمليّاً ونظريّاً غياب الدّولة في أغلب المناسبات و المواقف المهمّة والمصيريّة، فانسحاب أي دولة وترك فراغ واسع في ساحتها؛ لا يعنى سوى الدّعوة الصّريحة لكل من لديه المقدرة والقوّة لملئ ذلك الفراغ، وتلقائيّاً...؛ يرضخ المجتمع ويرزأ تحت حكم (شِرعة الغاب)، فالثّبات والبقاء للأقوى، والديمومة والاستمرار للأكثر نفوذاً، وهنا من المنطق والطّبيعي أن يستقر في خبرة النّاس ووعيهم أنّ لا هيبة لقانون أو احترام لسلطة، فيسلّمون ويعترفون بغياب العدل والعدالة فلن يبحثوا عن مفقود أبداً، وبالتّالي يلجأ كلّ إلى عشيرته ويلبس روحها طلباً للحماية والأمن والنفع في ظلّ غياب القواعد والمعايير المفترض أنّها هي التي تحكم وتنظّم الأحوال وتدبّر الأمور، فيسود أخيراً لدى الجميع الشّعور بالقدرة على فعل كل شيء يريدونه ومتى أرادوه دون الالتفات لقانون أو خوف من مساءلة أو تردّد أو استهجان على أقل تقدير، وذلك لقناعتهم بأنّه لن يستوقفهم أو يحاسبهم أحد... .
إنّ حالات الحشود الضخمة والهائلة التي تسيطر وتنتاب الفئات عند تعرض عضو من أعضائها لضررٍ مؤكّد أو غير مؤكّد؛ لهو الدّليل القاطع لديّ على انتقالنا من حكم الدّولة والمؤسسات إلى حكم العشيرة والفزعات، وبات السّلوك العشائري هو من يحكمنا، وانتماؤنا للعشيرة هو أولويّة على انتمائنا للدولة، وهو الدّليل كذلك على أنّ روح العشيرة لم يعشش ويتفشَّى في المستويات الدّنيا للمجتمع فقط، بل احترفته وأبدعت من خلاله الجماعات والفئات التي تحكم وتقود فيه، وإلّا ما معنى أن تنتقد صحيفة أو يوجّه صحفي ما تهمة فساد لشخصيّة مسئولة في مقال أو خبر ما، فتنتشر روح الفزعة والعشيرة فتحتشد الجماعات دفاعاً عن ابن عشيرتهم، فيقتحمون مقر تلك الصّحيفة وإتلاف موادها ووسائلها وتوجيه السّب والشّتم واللطم لصاحبها؟ أليس المنطق أنّ هناك سقف دولة نعيش أسفله جميعاً ضمن قوانين ومعايير وقيم لا يتمّ الاحتكام بأي حال من الأحوال إلّا إليها؟ ولماذا أهدرت تلك الشّخصية ذلك كلّه وقررت عدم الاحتكام إليها كلّها، وفضلت عليها إعلاء روح العشيرة وصوتها في قضيّة يفترض أن تُحكّم القانون الذي يجب أن يأخذ مجراه فيها؟ وما يحدث في نقابة العمال ليس ببعيد وغيرها... والأمثلة على ذلك كثيرة وبخاصة من كان يتابع ما حدث ويحدث في الآونة الأخيرة من أحوال وأحداث مشابهة... .
للأسف واشد الأسف...؛ لم تترك العشائريّة لدينا قطاعاً أو مجالاً إلّا وطرقته وسيطرت عليه؛ حتّى العلمي منها، فأنظر ماذا حدث البارحة في مناقشة رسالة ماجستير لأحد الطّلبة، وامتعضت عشيرته من توجيه النّقد العلمي للرسّالة، فانهالوا بالضرب على لجنة المناقشة...، وانظر كذلك مجلس نوابنا كيف يتضامن مع أعضائه مهما كانت أخطاؤهم، أو مهما قاد أحدهم من (بلطجيّة) للوقوف بوجه من نادوا بالإصلاح، فحلّت الفزعة والعشيرة بدلاً من الدّولة في قضيّة سمح بها القانون ورفضتها العشيرة وهي التّظاهر من أجل التغيير و الإصلاح ومحاربة الفساد.
وبعيداً عن النّواب ومجلسهم النّوائبي؛ دعونا نقترب للمصيبة الأخرى وهي العشيرة الحزبيّة، وكيف أنّ أحد الأحزاب الذّائع الصّيت، وصال وجال في حياتنا السياسيّة قد ضم عددا كبيراً من الأعضاء و الأسماء العشائريّة شبه الأميّة ولا تفقه شيئاً عن أيٍّ من المفاهيم الحزبيّة، فقط عرفوا اللعبة وأيقنوا أنّ هذا الحزب ورئيسه سوف يحميهم إن أصابهم أذى أو مكروه، وسيوصلهم للمناصب عندما تهب رياحهم فيغتنمونها...وهو ما حصل لهم بعشائريّة وفزعة بامتياز... .
حتّى أصحاب (البزنس) تركوا القانون وركنوا إلى لوبي عشائري ضاغط يحميهم ويحمي مصالحهم في حال حدث لهم تعثّرٍ أو سقوط على الرّغم أنّهم على يقين أنّه لن يحدث لهم ذلك في الأردن، ولكن لسان حالهم يقول: زيادة في الحرص والاحتياط (هاذي الدّنيا...)!
لقد تحوّلنا إلى مجتمع قبلي وتفرّقنا إلى عشائر وجماعات...، ولا زلنا نضحك على أنفسنا ونتصوّر ونتخيّل أننا على قلب علمٍ واحد ننتمي إليه ونجتمع جميعاً تحت فيئه...، والحقيقة المرّة هي أنّنا على قلوب العشرات من الأعلام والرّايات والشّعارات وهي نتيجة منطقية للمعادلة الآتية:
غياب الدّولة وهيبتها + غياب القانون = سيادة ثقافة العشيرة وقانونها (قانون الغاب).
قانون الغاب = الغلبة للأقوى وليس للحق وقضاته... .
السّؤال المُحيِّر والمُحيَّر: هل ما يحدث بهذه الكيفيّة هو ناجم عن سوء إدارة وسطحيّة في الدّولة أم عن سوء نيّة وسبقٍ إصرار منها (خبث سياسي)؟ ما أعرفه واعتقده لغاية اللحظة فقط هو: أنّ الفرق بينهما شاسع وآثارهما مختلفان من حيث نوع وشدّة الإصابة وحجم الخسارة الماديّة والمعنويّه...، ورأيكم لديّ أيّها السّادة سديد سديد ومفيد مفيد...؟؟؟!!!
وشعارنا معاً أيّها الشّرفاء العشائريين؛ يجب أن يكون: (نعم للعشائريّة الاجتماعيّة لا للعشائريّة السّياسيّة والمُسيّسة أو المُجيّشه).