فتِّشوا تحت السجّادة

اعتدنا، حينما يتعلق الأمر بمشكلاتنا وقضايانا العويصة، أن ندفن رؤوسنا في الرمال، أو أن نشيح بوجوهنا وكأننا لا نرى!
هذا الأسبوع مثلاً تساءل المجتمع الأردني في أغلبه: أين وكيف يتحول أبناؤنا لإرهابيين؟ وأين يجري غسل أدمغتهم؟!
أنا أجزم أن 99 % ممن سأل يعرف الإجابة لكنَّه يخاف من مواجهتها أو من قولها علناً؛ لأنها تتعلق بمؤسستين تحظيان بالحصانة الاجتماعية والشعبية وهما: المسجد والمدرسة! ولأنَّنا مجتمعٌ مؤمن ومتدين بالفطرة، فقد ارتبط لدينا نقد الإمام أو الخطيب بالتطاول على الدين، رغم أن هذا الخطيب هو موظف لدى وزارة الأوقاف يتقاضى أجراً، ويمكن نقده وإنذاره بل وحتى فصله، دون أن يكون لذلك صلة بالدين أو بالتطاول على مشاعر المسلمين!
ومن حقنا أيضاً، أن يحظى أبناؤنا بتعليم اكاديمي صحيح، وسليم، وخالٍ من الأمراض والعقد الاجتماعية والانحياز المطلق لمواقف وأفكار مسبقة، ومن حق الطالب أن يتلقى عِلماً في المدرسة لا خزعبلات، وعلى وزارة التربية أن تراقب المعلمين المنتمين لجماعات دينية أو أحزاب كيف يلقون حصصهم، وهل يستبدلون حصة الإنجليزي بالحديث عن عذاب القبر أو بالحديث عن "السنة والشيعة” كما يحصل في بعض المدارس!
كما أن المبالغة في التديّن وإن كانت حقا شخصياً للفرد يمارسه في بيته، فإنه لا يجوز له فرضها على الآخرين بحجة الاحتماء بالدين، وبحجة أن لا أحد يستطيع انتقاده وإلا اعتبر فاجراً ومرتداً.. فكيف نفهم مثلاً أن يقوم موظفو دائرة حكومية بتعليق يافطات مضيئة تقول "صلِّ قبل أن يصلى عليك” فوق القاطع الزجاجي الذي يفصلهم عن المراجعين؟ وهل من حق الموظف الحكومي في رمضان أن يجلس في مكتبه يقرأ القرآن الكريم فيما المراجعون واقفون بانتظاره؟! هل من حق سائق باص النقل العام أن يضع كاسيتات مروعة ومرعبة عن عذاب القبر ومليئة بالصراخ والتهديد والوعيد ولا يجرؤ على انتقاده أحد؟!
هل من حق خطيب المسجد، أن يدعو الله أن يهلك اليهود والنصارى في آخر كل خطبة جمعة؟ مع أن الايمان بـ”رسله وكتبه” من أركان الإيمان!! فلا يصح إيمان مسلم يدعو على النصارى بالهلاك! فكيف وهو إمام مسجد مكلف بهداية الناس وتنويرهم!!
على الأقل ومن باب العيب واللياقة والأدب لا يجوز أن تدعو على مواطنين مثلك، لست أفضل منهم في شيء، وقد يكون شبّاك بيت أحدهم ملاصقاً للمسجد!
ألا ينص الدستور والقانون على عدم التمييز بين الأردنيين؟ هل يسمح لكنيسة مثلاً أن تدعو على المسلمين في ميكروفوناتها؟! هذا الاحتماء بالدين الذي يمارسه خطباء بعض المساجد، يفاقم من انقسام المجتمع على نفسه، ومن تعميق الشروخ بين مكونات الوطن.
وتحت هذا الستار وهذا التغاضي يجري تمرير الكثير من الأفكار الظلامية التي تدسُّ سرّاً وبعيداً عن الأعين تحت سجّادة المسجد، والدروس الدينية التي تعطى في المساجد سرا، والذي عمودها الفقري تكفير الآخر، والتحريض عليه، وشيطنة كل من يختلف مع أفكار الخطيب، الذي يعتقد فور اعتلائه المنبر أنه امتلك العصمة، والعِلم.
آن لنا ان ننجو بأبنائنا، ورؤوسهم، من الأفخاخ التي تعدُّ لهم، وأن نفرق بين نقد الخطيب وإمام الجامع وبين نقد الدين، فمراقبة ما يحدث هناك مسؤولية وطنية ملحّة.
ولذلك، أيضاً، لم يكن من المصادفة العثور على إرهابي الأسبوع الماضي مختبئاً في مسجد، محاولاً الاحتماء بحصانته الدينية والاجتماعية، حيث قاده شعور غريزي إلى الاستغاثة بالمكان الذي تلقى "علومه!!” فيه.