النفاق الاجتماعي
النفاق الإجتماعي ؟
ظاهرة أصبحت جزءا من حياتنا وليس ادل على ذلك مما يحدث في حياتنا المعاصرة الاجتماعية والسياسية من قبيل الانتخابات باشكلها المتعددة والمجاملات المختلفة و ظاهرة اعتلاء المناصب بسرعة و المنافع و التملق, فلقد أصبحت ساعات حياتنا تدور في فلكها يوميا وما يعنريها من إنحلال الأخلاق وإنحلال القيم والمبادئ ثم الفساد ...
وهو أفة المجتمع القاتلة التي تربينا عليها لتصبح حياتنا لا تستقيم إلا بها للأسف فكم من منافق بين ظهرانينا
وكم من متملق يدفع مبالغ طائلة من أجل النفاق( إعلانات –تهنئة- انتخابات ومجاملات.....)
وكم من أمور حياة لا تسير إلا بنفاق مخجل غريب.
أقول أمامك شيء ومن خلفك أشياء أقول إن فلان ذو أخلاق ممتازة ومن خلفه أطعنه بكل سكاكين النفاق ويتجسد النفاق الاجتماعي بشكل واضح بالدعايات الكبيرة والتهاني الأسبوعية وشكر الشخصيات الاعتبارية البارزة ذات الشأن والتأثير بحجة إننا نقدر ونجلهم، عدا عن مظاهر البذخ في الاعراس والمناسبات الاجتماعية المختلفة والاحتفلات الرسمية وغيرها عملا بقول احدهم كل واحد بقيمتة!!!
رغم انه ينفق من مال عام او من الدولة ومن غير ماله في كثير من الاحيان او من مال حرام فلو هو مال حلال ما احل الله ان ينفق هكذا ويبذر بهذه الطرق فالمبذرين اخوان الشياطين, وما يجري الأن في مجتمعنا هو أمر مؤلم وشيء محزن ومقلق، فقد خدعتنا المظاهر، وشدتنا المفاتن واستبدت بالناس الانانية،وإختفت روح الجماعة، وتلاشت المحبة والمودة الخاصة، وغاب الوفاء،واستشرى حب المال، وبات النفاق امراً طبيعياً وأسلوب حياة، بينما صار الصدق مرفوضاً وعملة نادرة، ومن يسلك طريق الحق ويتبع الصدق نهجاً في عمله وتعامله وسلوكه وأفكاره وقيمة ومبادئة هو إنسان غريب وشاذ عن القاعدة وليس من أبناء العصر المودرن!.فليس كل ما يلمع ذهباُ.
وأمام هذه الكارثة الاخلاقية الاجتماعية وهذا الواقع الاجتماعي البائس المتردي كم نحتاج الى الجرأة والمصداقية والمواجهة العنيدة ومحاربة كل مظاهر النفاق وإجتثاثه من جذوره .
لقد اّن لمجتمعنا النهوض من سباته، بمثقفية واكاديمييه، بالتنوير والتثقيف والتوعية والتنشئة الاجتماعية الصحيحة بهدف التخلص من العادات والظواهر الاجتماعية الضارة التي تفتك به وتهدد مستقبله، والعمل على بناء حياة مدنية عصرية على أسس جديدة يحكمها العقل والتفكير العلمي وقائمة على الصدق والنقاء والقيم الاخلاقية الحضارية والتعاليم الدينية الحقيقية.
قال الله تعالى: «وَعَدَ الله الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ(68) كَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ كَانُواْ أَشَدَّ مِنكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالاً وَأَوْلاَداً فَاسْتَمْتَعُواْ بِخَلاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُم بِخَلاَقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ بِخَلاَقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُواْ أُوْلَـئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الُّدنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ» (التوبة:68،69).
النظام التربوي الحالى وعمليات التنشئة الاجتماعية بمؤساستها المختلفة ووسائل الاعلام وحتى وسائل الخطاب الدينى قائمة في الأصل على وجود النفاق لدرجة أننا نكاد نجزم بأنه لا ينتج إلا المنافقين بما في ذلك العلاقات العائلية ، وفي إطار الأسرة الواحدة حيث نجد مفارخ لا حدود لها من النفاق ، وحتى بين الأزواج فالنفاق يصير شرطا لقيام العلاقة الزوجية ولاستمرار تلك العلاقة إلى النهاية . وحتى الأحزاب السياسية التي تشكلها الطبقات المستفيدة من الاستغلال بما فيها تلك التي تشكلها الشرائح البوجوازية الصغرى تنبي العلاقات داخلها على أساس ممارسة النفاق التنظيمي مما يجعل علاقتها بالجماهير الشعبية الكادحة قائمة على ممارسة النفاق.
أما الذكاء فبدل أن يصير امتلاكا للقدرات الفكرية والعلمية للمساهمة الفعالة في الإنتاج الفكري ، والعلمي الذي يساهم في البناء الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والسياسي بناء يعبر عن التطور والتطوير المستمر للإمكانيات المختلفة ، يصير شيئا آخر لا يعبر عن الإمكانيات الفكرية والعلمية التي يتوفر عليها الأفراد والجماعات بقدر ما يصير تفننا في تكريس الانتهازية على مستوى الممارسة الفردية والجماعية وعلى مستوى العقلية وعلى مستوى الفكر والإيديولوجية والسياسية . فالانتهازية إذن بهذا الشكل تساوي الذكاء .والذكاء يساوي الانتهازية .
والانتهازية ممارسة بورجوازية صغرى تحاول هذه الطبقة جعلها مسلكية قائمة في نسيج المجتمع على جميع المستويات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية وبناء على ذلك يمكننا أن نعرف الذكاء وفقا للتفاق الاجتماعي والوصولية بأنه فن إتقان التسلق الطبقي أو كيف تصير متموقعا إلى جانب البوجوازية في أقصر وقت ممكن ؟ وكيف يمكنك الحصول على الثروات اللازمة من أجل ذلك ؟ وهذا الفن يتم اكتسابه من خلال الممارسة اليومية ومن خلال البرامج الدراسية ، وعن طريق دراسة التجارب الانتهازية .وانطلاقا من هذا الفهم الذي أدرجناه للنفاق ، وللذكاء نجد أنه في الممارسة اليومية للأفراد والجماعات وفي العلاقات المختلفة بين الأفراد والجماعات يصير النفاق مساويا للذكاء ، ويصير الذكاء مساويا للنفاق حتى يصير التطابق قائما بينهما في المسلكية الفردية والجماعية في المجتمع الآن ,
وبالتالي فالإنسان الذي ينال إعجاب الناس هو الذي يتقن ممارسة النفاق وبالدقة المطلوبة لتمكينه من تحقيق تطلعاته الطبقية بأقصى سرعة ممكنة مما يجعل النفاق والذكاء معا وسيلة ناجحة للتسريع بتحقيق التطلعات الطبقية لأفراد المجتمع لممارسة النفاق بالذكاء الذي يستلزمه ذلك الإتقان .
والانتهازي هو الذي يعمل في الخفاء, والظلمة, ويتحاشى النور, كي لا يكشفه الآخرون ,وتتضح مساوئه وعيوبه, ومقاصده الخبيثة ,فهو يطعن من خلف الجدران بطعنات قاتله مسمومة ويتوارى لجبنه وخوفه.والانتهازي هو الشخص الناقص, و الفاشل المحبط الذي لا يمتلك القدرة, والكفاءة في تحقيق ما يصبو إليه من غايات ومآرب, فيتبع طريق الخسة والدناءة لإشباع أطماعه, ورغباته ,ويتخذ من المكر والخديعة, سلما للصعود على أكتاف الآخرين للوصول إلى مراميه , فيلجئ إلى الحيل والأحابيل ,ويظهر الطيبة والنقاوة والبراءة ويلبس ثوب العفة والنزاهة في تعامله مع الآخرين , ويتبع أسلوب التملق والتزلف والرياء من اجل الوصول إلى ما كان يحبك له من خطط ودسائس , وحالما يحقق مصالحه يدير ظهره وينقلب وحشا كاسرا يطعن بكل جلادة وقسوة .
والانتهازي من يغرق بحب ذاته, وتطفح عليه أنانيته, فينسى إنسانيته وأخلاقه ,فلا يترك فرصة للآخرين ,إلا ووظفها لنفسه بكل ما أوتي من وسائل وتدابير خارجه عن المألوف الاجتماعي والعرفي, أو القانوني, المهم إشباع أطماعه وجشعه وإرضاء نزواته وغروره.
ويتميز الانتهازي بالغدر, والخيانة والتقلب ,وعدم الثبات ,والاستقرار على مبدأ أو عقيدة , ويتلون بتقمص الأدوار حسب الزمان والمكان, أو المركز وهو بالتالي ينطبق عليه دور المنافق وصفاته, الذي خصه بها القرآن الكريم في محكم كتابه.في سورة المنافقون (وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وان يقولوا أتسمع لقولهم كأنهم خشب مسندة يحسبون كل صيحة عليهم هم العدو فأحذرهم قاتلهم الله أنى يؤفكون)
وهم الذين قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديثه الشريف(المنافق إذا تحدث كذب وإذا اؤتمن خان وإذا وعد اخلف).
والانتهازية مرض عضال ينتشر كالوباء, إذا ما وجد أرضا سانحة خصبة نبت فيها , فسرعان ما ينمو ويترعرع ويتعذر قلعه واستئصاله بسهوله, إلى إن يتمكن من نخر عروق المجتمع أو الدولة التي يتربى وسطها ,فيحطم عريها ويهتك في وشائجها ولحمتها وبناها ويعم فيها الخراب والدمار.وما يعتري عمليتنا السياسية اليوم من وهن وضعف, وركاكة, ومن إمراض خبيثة, تدب في جسدها كالسرطان المميت الذي ينشب في عروقها وأوصالها ,إلا بفعل هذه الطفيليات والجراثيم من الانتهازيين الذين ركبوا موجتها بغير وجه حق ,من خلال التملق و التمسح بأذيال الأحزاب النافذة والقادة المتصدرين للمسرح السياسي الآن.
فهؤلاء لهم الباع الطويل, واليد النافذة ,التي تحرك وتلعب من الخفاء بمجمل فصول المشهد السياسي, ورموزه وما الحالة المزرية التي وصل إليها بلدنا من الاستغراق بالفساد, وتفشي المحسوبية, والرشوة, والابتزاز والسرقة, العلنية والتلاعب بالمال العام, واستشراء ظاهرة النفاق السياسي والاجتماعي, والتحرش الجنسي في معظم دوائر ألدوه ومرافقها , إلا ومن ورائه هؤلاء الوصوليين والانتهازيين حيث يشكلون ملاذا ومرتعا خصبا يغطي ويستر عورات الفاسدين. .
سيتلاشى ويضمحل دور هذه الزمر المدمرة,وكل وطني شريف يعتز بنفسه ودينه واخلاقه ومجتمعه وبالمسيرة التي اختارها شعبه في إرساء البناء الديمقراطي والحضاري ما عليه إلا ان يريح ضميره ويتبرء من هذا ويبادر بالمساهمة بكشف هذه الطحالب والطفيليات, التي علقت باردان عمليته الشخصية والاجتماعية و السياسية, على ان تتضافر كل الجهود المخلصة من اجل تطهيرهم واجتثاثهم من الجذور فأي عمل سياسي أو اجتماعي لن يقوى إلا بتطهير نفسه من كل الشوائب التي التصقت به