أنتم ثقب المركب

نكتب يوميا هنا؛ سوى الجمعة والسبت، ونبعث من خلال كتابتنا في هذه الجريدة المتوازنة بملاحظات ورسائل «مهنية»، يقرأها أصحاب العلاقة، وربما لا يفهمها سواهم حتى لو قرأ المقالة كل الناس، وهنا تكمن مهنية وتتجلى وظيفة وطنية للصحافة، تحقق أهدافا سامية، يعرفها الصحفيون المهنيون الذين تصالحوا مع أنفسهم ومبادئهم، وأدركوا أن هذه المهنة مقدسة، إذا ما تم توجيهها لفعل الصواب، والابتعاد عن الانفلات ومظاهر التكسب المعروفة، وكم أشعر بالسعادة ويلقى عن كاهلي عبء ثقيل، حين أعلم أن مشكلة ما كتبنا عنها هنا فالتقطها المسؤول وقام بحلها كما ينبغي، وكنت قد كتبت سابقا عن وضع خاطئ ، علمت أمس فقط، أن الحكومة السابقة صوبته منذ أشهر دونما جلبة ولا صخب، وهذا أمر يشعرني بالرضا والاحترام لمهنتي ولصحيفتي، التي تقف شامخة منذ تأسيسها وتفعل الفعل الوطني والمهني المطلوبين..
المؤسف حقا؛ يكمن في عدم وجود ضمير ولا أذن صاغية، حين نكتب شيئا له علاقة بخلل في مؤسسة ما، ويجري الالتفاف عليه من قبل المتضررين، مستغلين عدم خبرة ودراية ومتابعة المسؤول لوسائل الاعلام، فيخفون آثار جرائمهم الادارية ويمضون بصمت إلى مآربهم دونما حسيب ولا رقيب، هؤلاء هم ثقب المركب الذين تم جلبهم إلى بعض مواقع المسؤولية من غير كفاءة ولا ضمير، فيمارسون فسادهم بعلم او بغير علم، ويورثون الوطن والناس آزمات ومشاكل، لا تلقي لها الحكومات بالا بدعوى أنهم لم يصلهم شيء..
في مؤسسة ما «لن أذكر أسماء في هذه المقالة وربما أفعل في مقالات قادمة»، تم تعيين شخص أشهد له بالنزاهة والنظافة وعدم الانتماء إلى شلة أو عصابة، وتاريخ الرجل نظيف، ومعروف عنه التصاقه بالقانون ليكون «في السليم»، ومنذ قدومه استغل بعضهم هذه الصفة الوحيدة التي يعتبرها هذا المسؤول مرجعيته في عمله، لكنه ليس محاميا ولا قانونيا، ومؤسسته كبيرة وقضاياها كثيرة، ولا وقت لديه للاطلاع على القوانين والتعليمات، لكنه لا يتحدث عن أية قضية الا بعد الرجوع للورق والقوانين، ويعتقد أن جميع من حوله مثله، ولا يعرفون فن القفز على القانون بالقانون أيضا..
الرجل ينأى بنفسه عن الاعلام ولا يؤمن بأن ثمة إعلام مهني وطني نزيه، يمكنه أن يضعه في اختبار عسير حين يخفق وتتوالى أزمات مؤسسته، لتسيطر على الرأي العام، وهذا خطأ آخر يسقط فيه الرجل الذي يتوخى التسكين، ويبتعد الأضواء ويعتمد نصوص القانون التي يقدمها له أشخاص، جاءوا إلى تلك المواقع بالتنفيعات وبالمحسوبيات والمحاصصات وبلا كفاءة، وكل منهم يعتبر أن هذا الموقع هو حصته من الوطن، وملعبه الذي لا قوانين تشمله، ويريد منا ومن الوطن والمجتمع أن يصمتوا ويحتملوا حماقاته وممارساته الفاسدة التي تنضوي تحت عدم كفاءته وجدارته بموقعه..
قام المسؤول الجديد بإصدار قرارات مصيرية بحق مواطنين، موظفين، مضى على وجودهم سنوات في تلك المؤسسة، يعملون بعقود وموظفون رسميون، تم تعيينهم بقرارات حكومية، تحدثت لأكثر من وزير في الحكومة الحالية عن حالة معينة من الأخطاء التي سقط فيها المسؤول المعني، لكن فاجأني أحد الوزراء بقوله:
هل تعلم أن هذه الحالة الثالثة التي تردني اليوم عن المسؤول نفسه؟!
ماذا تراه سيفعل بعد مرور 6 أشهر على مكوثه في هذا المكان واستناده للقانون ذاته في حل مشاكل مؤسسته، أو إذعانه لكيديات بعض الفاسدين الذين يستغلون عدم خبرته ويقتلون مستقبله في العمل العام..
لا يختلفان؛ وهم ثقب المركب الذي يعتقدون بأنهم يرتقون ثقوبه، فالمسؤول الأول ليس بصاحب قرار ولا اطلاع على القانون، وبعض المسؤولين الثانويين يستغلون نقطة ضعف رئيسهم، فيقدمون له جزئيات قانونية تخدم مصالحهم وتحمي امبراطورياتهم، وتهيء لقرارات تعسفية بحق الناس، الذين يعتقدون بأنهم بلا حقوق ولا تشملهم العدالات.. يا لقطاء العدالة والقانون: ثقب ما به المركب..انما أنتم الثقب. ولن ننتظر ساعة الغرق لنعاتبكم او نحاسبكم.