رمضان فرصة لنحيا من جديد


أقبل علينا شهر الخير، شهر المحبة والسلام، شهر ينتظره الأفراد بفرح وبهجة، وتشتعل الروحانيات بهمة وقوة وعزيمة، وتطل علينا الفوانيس والحكايات الرمضانية.

 

 

رمضان يعيد للأفراد روحانيتهم وإنسانيتهم المفقودة في تزاحم الحياة، وقفة إيمانية عظيمة يعيد بها الأفراد ترتيب قلوبهم وعقولهم لتكون أكثر محبة وسلاماً وتواصلاً ومسامحة وعطاء. لذا، فالكل يشعر بعظمة وروحانية هذا الشهر العظيم، الذي يذكّر بدور الإنسان الأساسي من محبة وعطاء وتقرب لله سبحانه وتعالى. ما يلفت النظر ويجعلنا نتأمل ونسأل: لمَ لا يظهر هذا التواصل والمحبة والإخاء بين الأفراد طوال العام؟

 

 

لمَ لا تكون سمة بارزة في مفهوم العلاقة مع الله - جل وعلا - جيدة وقريبة طوال العالم؟

 

 

في هذا الشهر الفضيل الكل يحاول أن يصل الرحم ويعيد العلاقات المقطوعة، فلمَ لا تكون هذه فعلاً سماته الدائمة؛ المحبة للخير طوال العام!

 

 

رمضان فرصة إيمانية عميقة لإعادة ترتيب أنفسنا وتصحيح الأخطاء، هي رحلة روحانية، يواجه الفرد منا خلالها نفحات إيمانية وعبادات متواصلة تحيي القلب فتشع الروح نوراً، وتهذب النفس وتطهرها، لتكون لنا علامة مستنيرة في قلوبنا لا نضيع بعدها في زخم وزحمة الحياة. خلال هذه الفترة كثرت الرسائل التي يتناولها الأفراد بصورة مكثفة، ليست فقط تبارك بدخول رمضان، وهذا شيء إيجابي ومفرح أن نبارك لبعضنا قدوم شهر الخير، لكن بعض الرسائل حوت عبارات طويلة تدعو الآخرين إلى مسامحة صاحبها، وأنه يتأسف على أنه أخطأ في حقهم. سؤالي: هل هذه المسامحة أو التسامح وهذه الأقوال من القلب حقيقة؟! هل هم فعلاً يعنون ما يرسلون؟! أم أنها مجرد رسائل لا تحوي القصد القلبي للتغيير فعلاً، مجرد صف عبارات خالية من حقيقتها أو حقيقة تطبيقها!

 

 

الفرد متى رغب في التغيير بأن يسامح أو أن يعترف بأخطاء ارتكبها في حق الآخر فلن يقول ذلك في رسائل عامة لكل من لديه في هاتفه، بل سيسعى جاهداً لأن يتغير ويطبق هذا التسامح أو العفو من تلقاء نفسه، فهي أعمال قلبية ونيات حقيقية خفية.

 

 

لذا فإن ما علينا فعله هو أن نعمل بصدق واجتهاد في تنظيف قلوبنا وما لصق فيها من بغض أو كره أو قسوة أو غرور، أن نتعلم من داخل أنفسنا أننا فعلاً نرغب حقيقة في أن نحب الآخر، وأنّا فعلاً سامحنا الآخر، وأننا فعلاً نقبل الآخر، وأن نعرف حقيقة وعينا؛ هل هو صحيح أم مجرد ترديد ما يقوله الآخرون؟!

 

 

شهر الرحمة فرصة لنكتشف تلك العيوب الخفية في أنفسنا، فرصة تجديد صفاء قلوبنا بالنيات الصالحة وتلحقها الأفعال والتطبيق لا الثرثرة والادعاء، هو فرصة لأن نعيد معنى التواصل وزرع المحبة بيننا، سواء في العائلة القريبة أم المجتمع بأسره، أن نراقب حديثنا عن الآخرين في ذمهم أو قذفهم من دون أن ندرك حقائق الأمور، وإن عرفنا فلا بد أن ندرك أننا لسنا في صدد محاكمة الآخرين، وأن علينا تنظيف أنفسنا ومشاهدة عيوبنا أولاً، قبل النطق بمحاكمة الآخرين، علينا أن نتأمل ونعرف كيف هي علاقتنا مع من نحب من أبنائنا، زوجاتنا، أزواجنا، أقاربنا! هل أدينا الأمانة حقاً أم كنّا قاسين أو هاربين من المسؤوليات التي علينا؟ نعم، رمضان فرصة عظيمة لترتيب أنفسنا مع الله ثم مع الآخرين، لكي نحيا بسلام ومحبة وعطاء، ليس فقط في شهر الخير، بل طوال العام، تصبح هذه أفعالنا وأخلاقنا وسماتنا الدائمة والحقيقية.