الاسقاط من أعلى!!

تنوعت انماط الاسقاط بين شعوب هذه المنطقة المنكوبة شعارا وممارسة فمنها الاسقاط من اسفل وهو الذي انجزته شعوب قررت ان تواجه قدرها وبالتالي تتولى صياغة مصيرها بدلا من ان تتفرج عليه، ومنها الاسقاط من اعلى ونموذجه الاول وربما الوحيد ايران، فبعد ان استفحلت المشكلة، والتي تتعلق باقالة مصيلحي اصر علي خامئني على موقفه وهو ابطال مفعول القرار الذي اتخذه نجاد. ففي طهران لا يشكل منصب رئيس الجمهورية اعلى مراتب الحكم او المرجعية النهائية، لان هناك مرشدا عاما تتجاوز صلاحياته المناصب السياسية كلها، لان منصبه ومكانته لا يخضعان لاية تراتبية دنيوية وقد امهل خامئني الرئيس نجاد بضعة ايام كي يعدل عن موقفه في اقالة مصيلحي او يستقيل من منصب الرئاسة، واذا حدث هذا فان نموذج الاسقاط من اعلى يكون قد دشن نمطا اخر من انماط الاسقاط لكن المفارقة في هذا الاسقاط أنه فردي ولا يتعلق بنظام، والعكس هو الصحيح فالمقصود بهذا الاسقاط من اعلى تكريس النظام ذاته لكن من وجهة النظر الايديولوجية التي تعتبر الاعلى بحيث لا يكون الاحتكام اخيرا الا اليها وحدها!

 

يأتي هذا الخلاف الذي لا بد ان يتحول الى ازمة في طهران متزامنا مع مناخات مشحونة بالتوتر على شاطئ الخليج فايران تصر على تسمية درع الجزيرة ودخوله الى البحرين وإن على مستوى رمزي احتلالا، وكأن المسافة بين طهران والرياض او دولة الامارات العربية هي ذاتها، وقد ذهبت ايران الى ما هو ابعد واخطر من ذلك حين قال رئيس اركانها ان دول الخليج العربي جزء من ايران، وهذا بحد ذاته منطق لا يليق بجمهورية اسلامية رفعت شعارات مضادة للامبريالية والتمدد الاستعماري وانحازت في شعاراتها المعلنة الى حرية الشعوب!

 

ونحن هنا لسنا بصدد السجال حول عروبة تلك الدول، لأن مجرد مناقشة هويتها يحب أن يكون خارج أية مقاربات سياسية، والالحاح الايراني على كون تلك الدول جزءاً من ايران التاريخية لا يناقض التاريخ والجغرافيا فقط، بل يخترع ذاكرة لا يسندها أي اساس واقعي، سواء في الماضي أو الحاضر والمستقبل!

 

لهذا من الاجدى العودة الى ما سميناه الاسقاط من فوق، والذي تقدم فيه طهران حالة من طراز خاص، فالمظاهرة التي تطالب باقالة نجاد خلال ايام ليست مليونية أو مليارية، انها من المرشد ذاته، لكن نفوذه لا يقاس بالعدد، ما دامت له تلك المكانة التي تتجاوز جاذبية التاريخ وترتهن تماما للايديولوجيا.

 

هكذا اذن تعدد الاسقاط، لكن المصير واحد، رغم ان نبرة الاسقاط من أعلى انه يؤدي الى تسارع في السقوط وبالتالي الارتطام العنيف بالارض.

 

ان لايران أزماتها المزمنة، وهي لا تحل بالتصدير أو التهجير، خصوصاً عندما يتعلق الامر بعروبة دول الخليج وبأنها ليست محافظات تحمل أرقاماً اضافية في تضاريس الجمهورية الاسلامية!