اصلاح القضاء.. ملاحظات بحاجة الى نقاش

لا ادري لماذا لم نسمع صوت فقهاء القانون فيما يدور من حوارات حول «اصلاح التشريعات»، او فيما تتناقله الاخبار من معلومات حول ملفات «الفساد» او –حتى- فيما يتعلق بنصيب «مرفق العدالة» من عروض الاصلاح ومطالبه، سواء اكانت مرتبطة بما تضمنه الدستور من نصوص هي الآن في عهدة اللجنة التي شكلت مؤخرا لاعادة النظر فيه ام كانت لها علاقة بمقررات واجراءات تشريعية وادارية اخرى تتقاطع مع «وظيفته» او تحدّ من تطويره وتجرح استقلاله.

 

لست بالطبع افضل من يتحدث في هذا الموضوع ولكنني استأذن في الاشارة الى بضع ملاحظات يمكن ان تدرج «كموضوع للنقاش العام» في سياق الدعوة الى اصلاح القضاء خاصة وان بعضها يحتاج الى تعديلات دستورية جاء وقتها وحضر اهلها ايضا.

 

الملاحظة الاولى تتعلق بتوحيد القضاء، فقد نصت المادة 99 من الدستور على ان المحاكم ثلاثة انواع: نظامية ودينية وخاصة، وهذا الواقع يمكن تعديله بحيث يتولى القضاء المدني الولاية الكاملة للاشراف على القضاء ويصار الى اصدار قانون لتشكيل المحاكم تسند اليه مهمة تحديد انواع المحاكم وطبيعة عملها واختصاصها ودرجاتها ايضا.

 

توحيد القضاء تحت مظلة واحدة سيساعدنا في «ترسيخ» استقلالية القضاء وفي تطوير مرافقه وفي تجاوز حالة «الانفصام» غير المفهوم بين هذين المكونين الاساسيين اللذين يستندان اصلا الى «مرجعية» واحدة وهي الشريعة الاسلامية كما حددها الدستور الاردني.

 

الملاحظة الثانية تتعلق بالقضاء الاداري، فقد نصت المادة 100 من الدستور لسنة 1952 على انشاء محكمة عدل عليا وبعد نحو اربعين سنة تم انشاء هذه المحكمة بموجب قانون دائم صدر عام 1992 وهي –بالطبع- المحكمة الادارية الوحيدة في بلدنا، لكن المشرع لم يأخذ بمبدأ تعدد درجات التقاضي، بمعنى ان احكام المحكمة نهائية وغير قابلة للاعتراض او المراجعة كما ان اختصاص المحكمة محدد على سبيل الحصر وهذا يسمح لها لان تكون صاحبة ولاية عامة للنظر في كافة النزاعات الادارية الامر الذي نحتاج فيه الى انشاء قضاء اداري مستقل ومتخصص وهو ما يصب في النهاية بمصلحة القضاء اصلاحا واستقلالا وبمصلحة البلد والناس ايضا.

 

اما الملاحظة الثالثة فتتعلق بضرورة انشاء محكمة دستورية وهي ضرورة «اصلاحية» لانها تضمن حراسة «مبدأ» الشرعية وحماية احكام الدستور ومنع «السلطات» من تجاوزه او التعسف في تفسيره واستخدامه.

 

فيما يتعلق باصلاح القضاء يمكن التذكير ايضا بعدد من المطالب التي تضمنتها مذكرات رفعها عدد من القضاة في السنوات الماضية، وهي موجودة ويمكن الرجوع اليها لفهم المطلوب في سياق اصلاح مرافق العدالة في بلادنا وانصاف اعضائها وترسيخ مبدأ استقلاليتها وكفاءتها ونزاهتها وتحت هذه العناوين الثلاثة الاخيرة «الاستقلالية والكفاءة والنزاهة» يمكن ان يندرج عشرات الوسائل والخطوات لانجاز هذه الاهداف التي نتطلع اليها.

 

باختصار الحديث عن اي اصلاح سياسي بمعزل عن اصلاح القضاء سيظل «ناقصا» ومشوبا بكثير من العيوب والعور، وما دمنا في اطار مراجعة الدستور فان من المناسب والمطلوب معا ان نضع هذه الملاحظات وغيرها على طاولة فقهاء القانون واعضاء اللجنة الدستورية لتحريرها والنظر فيها وانزالها الى الميدان.