شعر اندلسي يناسب حالنا اليوم

هل نحن أمام أندلس جديدة؟ درستُ الشعر الأندلسي مع الأستاذ إحسان عباس في الجامعة الأميركية ببيروت، ولا يمضي يوم من دون أن أستعيد بعض ما حفظت من شعر الأندلسيين.

 

 

الشاعر محمد بن أحمد الأنصاري، المعروف بالأبيض كان هجَّاء، وكان أكثر هجائه في الأمراء الملثمين، خصوصاً الزبير في قرطبة، وقال فيه يوماً:

 

 

عكف الزبير على الضلالة جاهداً / ووزيره المشهور كلب النار

 

 

الزبير استدعاه ووبخه على الهجاء، وسأله: ما دعاك إلى هذا؟ قال الأبيض: إني لم أرَ أحقّ بالهجاء منك، ولو علمتَ ما أنت عليه من المخازي لهجوتَ نفسك إنصافاً ولم تكِلْها إلى أحد. الزبير استشاط غضباً وأمر بقتله.

 

 

لا أحد اليوم في صدق الأبيض وجرأته. بل لا أحد مثل ابن عبدون الذي ساءته معاملة أمراء الأندلس فاعتزلهم وقال:

 

 

فبعتهم تماماً لا بثنيا / ولا شرط ولا درك ارتجاع

 

 

ولم أجعل قرابي غير بيتي/ وحسبي ما تقدم من قراع

 

 

كانت نقمة الشعراء والناس كلهم على تسلط اليهود في دولة غرناطة على الحكم وجمعهم الضرائب، فقال ابن الجد:

 

 

تحكمت اليهود على الفروج/ وتاهت بالبغال وبالسروج

 

 

وقامت دولة الأنذال فينا/ وصار الحكم فينا للعلوج

 

 

فقل للأعور الدجال هذا/ زمانك إن عزمت على الخروج

 

 

والأعور الدجال هو من علامات الساعة الكبرى.

 

 

الشاعر أبو حفص تكلم باسم أهل البلد كلهم وهو يقول:

 

 

كنا نطالب لليهود بجزية/ وأرى اليهود بجزية طلبونا

 

 

ما إن سمعنا مالكاً أفتى بذا/ لا لا ولا من بعده سحنونا

 

 

الزاهد أبو إسحق الألبيري أثاره تسلط اليهود أيام وزارة ابن النغريلة اليهودي وقال:

 

 

ألا قل لصنهاجة أجمعين/ بُدُور الندى وأُسْد العرين

 

 

لقد زلّ سيدكم زلّة/ تقرّ بها أعين الشامتين

 

 

تخير كاتبه كافراً/ ولو شاء كان من المسلمين

 

 

وكان الألبيري زار غرناطة ورأى فعل اليهود فيها فقال:

 

 

وإني احتللت بغرناطة/ فكنت أراهم بها عابثين

 

 

وقد قسموها وأعمالها/ فمنهم بكل مكان لعين

 

 

وهم يقبضون جباياتها/ وهم يخضمون وهم يقضمون

 

 

وقال عن ابن النغريلة:

 

 

ورخم قردهم داره/ وأجرى عليها نمير العيون

 

 

فصارت حوائجنا عنده/ ونحن على بابه قائمون

 

 

ويضحك منا ومن ديننا/ فإنا إلى ربنا راجعون

 

 

ما سبق أكثره من «الذخيرة» لابن بسّام الشنتريني و «نفح الطيب» للمقرّي.

 

 

الكارثة الأولى في الأندلس كانت سقوط بربشتر على أيدي النورمانديين، وتلت ذلك الكارثة الثانية والثالثة بسقوط طليطلة ثم بلنسية.

 

 

ابن العسّال الزاهد كان من طليطلة، فهي مسقط رأسه، وقال:

 

 

يا أهل أندلس حثوا مطيّكم/ فما المقام بها إلا من الغلط

 

 

الثوب ينسل من أطرافه وأرى/ ثوب الجزيرة منسولاً من الوسط

 

 

ونحن بين عدو لا يفارقنا/ كيف الحياة مع الحيات في سفط

 

 

أرض إسرائيل من النيل إلى الفرات وفق الخرافة التوراتية، فهل نترك بلادنا لهم ونرحل؟ أين المفر؟ يأكلنا السمك في البحر، أو نصل إلى معسكر اعتقال في أوروبا الشرقية؟ ماذا أقول؟ المتنبي سبقني وقال: يا أمة ضحكت من جهلها الأمم.