حكومة الملقي ليست انتقالية

لم يكن مفاجئاً تكليف الدكتور هاني الملقي بتشكيل الحكومة خلفاً للدكتور عبد الله النسور، فالإعلام التقط الإشارات الملكية قبل وقت، وبعض المواقع الالكترونية لم تتردد بالإشارة الى أن الملقي سيكون الرئيس القادم للحكومة ولو لم يكن بحوزة أي منها دليل على ذلك طبعاً.
تعمد الرئيس الملقي أن يتكتم على تشكيل حكومته وحرص على أن لا تتسرب للإعلام أسماء القادمين للحكومة ولا الخارجين من الفريق الوزاري القديم، وعادت لعبة التنبؤات الى وسائل الإعلام في تصيد المعلومات من الوزراء أو المقربين.
والسؤال المزعج هل يعقل ونحن في عام 2016، ونتحدث عن حكومات برلمانية، وانفجار وتوسع بوسائل التواصل الاجتماعي أن تظل الحكومات تُشكّل سراً وبعيداً عن أعين الإعلام والرأي العام؟
لماذا لا تتم المشاورات لتشكيل الحكومة علناً، على الرغم من أن الأردن لا يعيش حياة حزبية فاعلة، ويخرج الرئيس المكلف إلى إلاعلام ويشرح الآليات التي يفكر بها في تشكيل حكومته، ويقدم المبررات لاختيار هذا الوزير وهذا الفريق؟
بعد احتفالنا بـ 100 عام على الثورة العربية الكبرى ورفع شعار النهضة، ومرور 70 عاماً على الاستقلال من الضروري أن نغير آليات تشكيل الحكومات ولا نظل أسرى لماضٍ لم يعد مقبولاً الآن.
ما بين تشكيل فوزي الملقي الأب لحكومته وتشكيل هاني الملقي لحكومته مرت عقود طويلة، ولكنني أستطيع الجزم بأن الملقي الأب كان أكثر تحرراً حين شكل حكومته من سلطة الجغرافيا ومحاصصتها، وهي باعتقادي ما فرضت على الرئيس الملقي استحقاقات كان يريد أن يخرج منها.
في كل الأحوال الفرصة لم تمض من أمام رئيس الحكومة، وباعتقادي الشخصي أن البصمة الحقيقية للدكتور هاني الملقي في هندسة حكومته ستظهر بوضوح حين يعاد تكليفه من الملك بتشكيل الحكومة بعد الانتخابات البرلمانية في شهر سبتمبر المقبل.
أكثر ما حير المتابعين بتشكيل الحكومة عودة الوزير المخضرم سلامة حماد للداخلية بعد أن استُبعد في حكومة النسور دون مبررات وشروحات، ولاحق خروجه اشاعات، وثبت بعودته أن الأمر لا يزيد على رغبة النسور بالتخلص من حماد لأنه مثلما همس بآذان مقربين "الرئيس يريد الوزراء طلاب صف".
عاد الوزير حماد أكثر قوة لحكومة الملقي وفي مرحلة تشهد انتخابات، وهو الذي عرف عنه الإشراف على انتخابات عام 1989، وبالتأكيد لا يستطيع أن ينازع الهيئة المستقلة للانتخاب سلطتها وصلاحياتها في إدارة الانتخابات والإشراف عليها، ولكنه بالتأكيد سيلعب دور المنسق بين الحكومة والهيئة المستقلة والجهات التنفيذية الأخرى التي ستنشغل بالانتخابات.
وللإنصاف ورغم بقاء وزراء كثر أساسيين من حكومة النسور في الحكومة الجديدة، إلا أن الملقي حرص أيضاً على انتقاء وزراء لهم باع ودراية في الوزارات التي أسندت لهم، ويكفي الإشارة الى وزراء التعليم العالي، والصحة، وتطوير القطاع العام، كأمثلة ونماذج على طريقة تفكير رئيس الحكومة.
مهمة حكومة الملقي ليست بيسيرة، ولا أرى أنها حكومة انتقالية مطلوب منها أن تسيّر الانتخابات البرلمانية وترحل، والأرجح أن يستفتى مجلس النواب القادم على هاني الملقي رئيساً لحكومة ما بعد الانتخابات، وفي أغلب الأحوال ينحاز النواب الى رئيس الحكومة التي فازوا بالانتخابات وهو على رأس السلطة التنفيذية.
أزمة الرئيس الملقي هي أزمة أي رئيس حكومة يمكن أن يكلف بهذه المهمة الصعبة، ونحن نعيش ظروفاً اقتصادية خانقة، فما هي الهوامش التي يستطيع أن يتحرك بها ويناور، ومن أين يمكن أن يحقق الانتعاش والتنمية الاقتصادية؟
إذا كان من نصيحة للرئيس الملقي، وهو الشخصية التي تتسم بالدماثة والاعتداد بالنفس والدفاع عن رأيه، فهي تتلخص بأن يفتح كوة ويبعث أملاً في حالة الحريات وحقوق الإنسان ونحن نواجه مأزقاً اقتصادياً، فهذا على الأقل يريح الناس ويسمح لهم بالتعبير عن أنفسهم، بدل إحساسهم بالغبن والظلم.