«بورصة التنجيم» الوزاري


 

بورصة «التنجيم « التي شهدتها « تعاليل « الفيس بوك والصالونات السياسية ، حول أسماء الوزراء في الحكومة الجديدة، خلال الايام التي سبقت الإعلان الرسمي عن تشكيلة الحكومة، عكست منسوب السطحية الذي يسيطر على عقليات الكثيرين.
كيف يمكن لقائمة وزارية يؤلفها زميل ، تعكس رغباته او لأغراض التسلية، نشرها في صفحته على الفيس بوك، أن تنتشر بين أوساط الرأي العام كالنار في الهشيم وكأنها حقيقة ، بل وحظيت بكم هائل من «اللايكات» والتعليقات والتبريكات.
واذا افترضنا أن ثمة فوضى عارمة في الفيس بوك ، وكل يكتب ويعلق وينتقد ويشتم كما يشاء بدون ضوابط ، فإن الأكثر غرابة أن مواقع إخبارية الكترونية عديدة ، نشرت القائمة دون حرص على توخي الدقة والمصداقية في التعامل مع المعلومة، وذلك بسبب وجود طارئين على المهنة لا يقدرون مسؤولية الكلمة، وهذا يعيدنا الى ضرورة الالتزام بأخلاقيات المهنة وميثاق الشرف الصحفي.
واهتمام الأردنيين بتغيير الحكومات والتعديلات الوزارية ، جزء من تقاليدنا الاجتماعية ، وذلك يعود الى رغبة الكثيرين في معرفة الضيف الجديد ، والنظر الى حامل الحقيبة الوزارية من منطلقات شخصية ومناطقية وعشائرية . والأكثر إثارة للاستهجان احتجاج البعض عبر مواقع التواصل الاجتماعي ، على عدم تمثيل عشائرهم في الحكومة الجديدة، وتوجيه دعوات لعقد اجتماعات عشائرية لبحث ما سمي بتهميش تلك العشائر ! وهو نفس منطق الانتخاب على أساس عشائري ومناطقي، والمؤسف أن بعض تلك التعليقات صدرت عن نخب ، وهم بدل أن يدفعوا باتجاه تكريس ثقافة الدولة المدنية والمواطنة وتكافؤ الفرص ،وتوعية الناس بأهمية تعزيز النهج الديمقراطي، يعودون بنا الى ثقافة: « وما أنا إلا من غزية... أن غزت غزوت. وإن ترشد غزية أرشد ».
والشيء بالشيء يذكر، فقبل أسابيع شهدت بريطانيا حادثتين ، أثارتا جدلا ساخنا داخل المملكة المتحدة، وهما انتخاب أول مسلم «صادق خان » رئيسا لبلدية لندن، وهو من أصول باكستانية، وانتخاب طالبة مسلمة جزائرية الأصل هي «ماليا بو عطية » رئيسة للاتحاد الوطني لطلبة بريطانيا.
استندت « بوعطية « في فوزها على قاعدة يسارية ، وتعرضت لحملة شرسة من قبل الاتحادات الطلابية اليهودية ،بتهمة تأييدها للمقاومة الفلسطينية للاحتلال الاسرائيلي ،ودعم حملة مقاطعة منتجات المستوطنات الصهيونية ، أما «خان» الذي ينحدر من أسرة بسيطة والده سائق باص ، فقد فاز لكونه مرشح حزب العمال المعارض، وليس بصفته الشخصية أو دعم عشيرته وطائفته ، أو لأنه يقيم « المناسف »، ويقدم الكنافة للناخبين ويشتري الأصوات.
ردود الفعل العربية التي حفلت بها وسائل التواصل الاجتماعي ، تراوحت بين الاندهاش والاعجاب بمناخ الحرية داخل المجتمعات الغربية ،الذي يتيح لأبناء الجاليات الأجنبية التنافس على المناصب السياسية ، وإشغال المراكز الاكاديمية والمهنية ،عندما يمتلكون المؤهلات العلمية والخبرة العملية، ويجيدون مهارة التعاطي مع آليات الديمقراطية ، بغض النظر عن المنابت والأصول والدين والطائفة.
.. هم تحكمهم آليات الديمقراطية ، مع الإدراك أن مجتمعاتهم ليست «مدن فاضلة» يقابل ذلك الإحساس بالإحباط والحسرة في بلادنا العربية التي تغرق بالفساد ، وتنتعش فيها «ثقافة القبيلة « على حساب ثقافة المواطنة وسيادة القانون ، وتشكل بيئة طاردة للكفاءات التي تجد في الدول الغربية الفرص للإبداع وأمامنا النموذج الأميركي الذي أتاح لشخص مثل» باراك أوباما « وهو من أصول أفريقية ، ليصبح رئيسا لأقوى دولة في العالم.
من المفارقات الطريفة أن بلدة «بتعبورة « اللبنانية احتفلت مؤخرا بتولي «ميشال تامر» الذي تعود أصوله من البلدة ، منصب رئيس جمهورية البرازيل خلفا للرئيس للرئيسة ، « ديلما روسّيف » التي أطاحها البرلمان بتهم الفساد، بينما فشل البرلمان اللبناني بانتخاب رئيس جمهورية ، منذ أكثر من عامين بسبب مناكفات النخب السياسية ، القائمة على المذهبية والمناطقية.