وا مصراه !!


ليس من المبالغة أن نقول أننا نمر الاّن بأحرج وأصعب الأوقات فى تاريخنا المعاصر كله.
وكيف لا والأمر لا يتعلق  هذه المرة بعدو خارجي ظاهر يحتشد الجميع ضده ، وانما تأتينا الطعنات الفاجرة الغادرة من بين ظهرانينا ومن خلفنا ومن بين أيدينا وأرجلنا ؟!!
لقد سخر البعض  عندما قلت من قبل- فى عدة مقالات - وأكد غيرى وجود ثورة اجرامية مضادة تستهدف اجهاض ثورة يناير المجيدة واعادة عقارب الساعة الى الوراء .
وذكرت صراحة أن أعداء الثورة وفلول النظام السابق لن يجدوا لديهم سلاحا أشد فتكا من الفتنة الطائفية لاحراق البلد ووأد الثورة الوليدة فى مهدها .
وجاءت أحداث قرية  أطفيح، ثم أحداث امبابة ليرى كل ذي بصر وبصيرة  صواب ما قلناه رأى العين .
القلب ينزف ، والعين تدمع ، والنفس تذهب حسرات على شباب فى عمر الزهور يذبح بعضهم بعضا من أجل حادث فردى ، أو مشكلة كان يمكن حلها بقليل من التعقل ، وبعض الحوار الهادىء ،و اللجوء الى الجهات الرسمية المسئولة ، وليس بطلقات الذخيرة الحيّة وقنابل المولوتوف والمطاوي والسيوف والجنازير!!
لم يقل عيسى عليه السلام : اقتلوا جيرانكم أو خصومكم رميا بالرصاص ، ولم يقل محمد صلى الله عليه وسلم : ليسقط العشرات أو المئات من القتلى والجرحى  فى كل مرّة من أجل مشكلة شخص واحد أو بضعة أشخاص .
ولنقلها بصراحة وليغضب من شاء وليكرهنا أو يسبنا من شاء على الجانبين :
ان بعض جهلة الأقباط فى مصر هم أبعد ما يكون عن روح التسامح التى دعا اليها سيدنا عيسى عليه الصلاة و السلام ، وان بعض جهلة المسلمين هم أبعد ما يكون  عن كرم ونبل  الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم مع أهل الكتاب وأهل الذمّة .
 واقرأ ان شئت نصوص الكتب السماوية المعتد بها  ، فلن تجد فيها نصا واحدا يبيح ذبح المخالفين فى العقيدة أو الرأى ، اللهم الا ما دسّه اليهود قاتلهم الله ليستبيحوا سفك دماء الاّخرين واحتلال أراضيهم ونهب أموالهم .
وعلى سبيل المثال لا الحصر يروى عن  المسيح عليه السلام : أحبوا أعداءكم ،باركوا لاعنيكم ومبغضيكم، فأين هذا مما يفعله بعض الأقباط من تكديس واستخدام  الأسلحة النارية وقنابل المولوتوف  ، وقطع الطرقات العامة بحجة الحق فى التظاهر ، واتلاف السيارات،  وضرب المارة ، فضلا عن الاستقواء بدول الغرب لاحتلال مصر بحجة حمايتهم ؟؟!!!
 أليست هذه خيانة ؟؟!!
  ونقول لبعض جهلة المسلمين ألا تقرأون  فى القراّن الكريم : ( لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين) سورة الممتحنة الاّية 8  .؟!! .
وقال الامام الطبري رضى الله عنه فى تفسيره للاّية الكريمة  : عني بذلك : لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ، من جميع أصناف الملل والأديان أن تبروهم وتصلوهم ، وتقسطوا إليهم .و أن الله عز وجل عمّ بقوله : ( الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم ) جميع من كان ذلك صفته ، فلم يخصص به بعضا دون بعض.انتهى.
 وهناك عشرات الأحاديث ومئات الوقائع الثابتة من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين التي تظهر بوضوح لا لبس فيه حقوق أهل الكتاب فى المجتمع الاسلامي ، والقاعدة الأصولية الشهيرة هى : (لهم ما لنا وعليهم ما علينا)  أى حق المواطنة بالمعنى المعاصر .
ومنها نذكر أيضا الحديث الشريف :
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
{مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا} البخاري
قَوْلُهُ : (بَابُ إِثْمِ مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا بِغَيْرِ جُرْمٍ) كَذَا قَيَّدَهُ فِي التَّرْجَمَةِ ،
وَلَيْسَ التَّقْيِيدُ فِي الْخَبَرِ ، لَكِنَّهُ مُسْتَفَادٌ مِنْ قَوَاعِدِ الشَّرْعِ ،
وَوَقَعَ مَنْصُوصًا فِي رِوَايَةِ أَبِي مُعَاوِيَةَ الْآتِي ذِكْرُهَا بِلَفْظِ : بِغَيْرِ حَقٍّ ،
وَفِيمَا أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ بِلَفْظِ :
{مَنْ قَتَلَ نَفْسًا مُعَاهَدَةً بِغَيْرِ حِلِّهَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ}.
 
وراجعوا قصة الفتح الاسلامى لمصر فى عهد الفاروق عمر بن الخطاب رضى الله عنه ، وكيف تصرف واليه عمرو بن العاص رضى الله عنه مع أقباط مصر بكل تسامح وأعاد اليهم كنائسهم التى كان المحتلون الرومان قد اغتصبوها منهم ، وكيف أعطى الأمان  للقساوسة الهاربين من اضطهاد الرومان الى الصحراء ، وأعفاهم من الجزية أو أية ضرائب باهظة كان الرومان يرهقونهم بها ،وغير ذلك من صحائف بيضاء يفخر بها تاريخ الاسلام العظيم ..
ولم يحدث طوال التاريخ  أن أحرقت كنيسة أو هدم معبد فى سائر أنحاء العالم الاسلامى.
ولن تجد فقيها واحدا يعتد برأيه هنا أو هناك يمكن أن يفتى باباحة هذا الصراع الدامى بين أهل البلد الواحد تحت أى ظرف من الظروف
يا الهى .. كم قتيلا سوف يسقط فى كل مرة ينشب فيها نزاع ما بين مصريين أحدهما مسلم والأخر من الأقباط لأى سبب كان ؟!!
 وكم من بيوت سوف تخرب ، وممتلكات سوف تحرق أو تهدم على رأس من بناها،
لأن البعض - على هذا الجانب  أو ذاك - قرر سلوك سبيل ( البلطجة) لاقتضاء ما يظنّه حقا له رغم أنف الباقين، وبلا أى اعتبار للسلطات العامة  ، وعلى حساب شعب فقير مطحون ، وكيان دولة يوشك على التداعى  ؟!!
نحن لا نملك  ترف الاستمرار فى الاعتصامات والمظاهرات - حتى لو كانت سلمية - فى بلد يوشك اقتصاده على الانهيار ،فما بالك بالصراعات الدامية المسلّحة ؟!!
 ان استمرار هذه الفوضى يعنى ضياع البلد بأسره .وسوف يترحم الناس على أيام الرئيس المخلوع وعصابته ، فهل هذا هو ما يريدون ؟!!
 ولهذا نؤيد بكل قوة كل الخطوات  الضرورية الحاسمة التى يجب أن تقوم بها الحكومة والمجلس العسكرى فورا لضبط الأمن واعادة الهدوء والاستقرار بأى ثمن .
ولا بديل عن الردع الصارم لكل المجرمين والبلطجية وفلول الطغاة ، والا فقولوا على مصر السلام ، وعلى ثورتها رحمة الله .