بكسة الفقوس والعوض على الله


على الإشارة الضوئية بين الصويفية وعبدون يتمترس شباب باحثون عم لقمة العيش الحلال ، ويهتفون بالسائقين من خلال عرض البضاعة المحمولة عن بعد النوافذ ، وبعضهم يدخل رأسه فجأة عليك ويرمي بالشيء من يده في حضنك وتكون الإشارة حمراء ، فتخشى ان تتحرك تاركا البائع في خسارة وتنطلق بعد لخمة الزوامير المجنونة وراءك كمن يتاهب لخوض حرب التحرير السريعة وتنفيذ العهد بإرجاع القدس خلال ساعة ونصف حسب المخطط العربي المتقن ! وهكذا تتوالى الاحداث والمشاهد خلال مسيرة المليون ميل في العاصمة الحبيبة عمان دون توقف ، فالهوية التسويقية على الإشارات اضحت ملزمة لنا دون اعتراض باحترامها والمساهمة بإنجاحها سواء رمى البائع بضاعته غصب عن أبوك في حجرك أو وقف أمام السيارة مانعا إياك من الحركة ( تدهسني أو تلمسني ) أبوك يا الموت ! وفي صباح أمس الأحد في تاريخ 2/6/2013 قيض الله سبحانه في علاه شابا على مقعد متحرك يجوب زواريب وأزقة المركبات بطريقة انتحارية تنم عن واقع يصرخ بالاستغناء عن الحياة ، وبكستين من الفقوس النحيل الطويل تتصفط بأناقة في حضنه دون أن يتوقف امام اية نافذة مما اثار استغرابي وناديته تعال: بقديش الفقوسات ؟ قال وهو يتسرب بين إطارات السيارات ويحضر بجانب نافذتي ويبتسم : البكسة الوحدة بدينارين والثنتين إلك بثلاثة ! ممدت يدي لاتناول البرايز والشلنات التي اجمعها باستمرار واضعها في المخلاة الوسطى بين مقعدي وبين مقعد الراكب بجانبي للطواريء الشبيهه على إشارات عمان التجارية والتسولية التي لا ارفضها إلا إذا راح أحدهم يدق على زجاج المركبة بصلف فأعرف ان وراءه مدير إنتاج لأقلعه قائلة : روح من قدامي لاهرس راس اللي مشغلك وله روح اقلب وجهك إنت وياه !!! ولكن اليوم فإني أرى شابا صبوح الوجه نظيفا وملابسه كأن والدته قامت بكيها له ومنعته من الخروج على مقعده المتحرك للرزق خوفا على حياته مؤثرة الجوع لابنها القنوع ! اخضرت الإشارة ولم اتمكن من تسليمه الفلوس حيث انطلقت الزوامير القتالية محاولة الولوج إلى جبهة فلسطين المجاورة ، ورحت أكمش البرايز والفراطة للتعبير عن اعتذاري حتى لو كانت أضعاف الثمن ، كان الشاب قد وضع البكستين على المقعد الخلفي وكنت قد انطلقت خشية إطلاق الرصاص الحربي على سيارتي من المقاتلات الخلفية ، وحاولت التوقف على أي يمين لانتظار المقعد المتحرك علني اشاهده ونظري في المرآة الخلفية ! اختفى الشاب وقد عثرت على زاروبة جانبية ، مشيت على الرصيف ونظري يستنكر فعلتي ، يا إلهي فص ملح وذاب ؟ استغفر الله وين الشاب ؟ لم تفصلني الزوامير والعجقة عن الشاب غير معركة المحاولة وصراع مناولته النقود وأنا اخاف عليه من عجلات الحرب الضروس التي راحت تشحط الطريق دون اكتراث بموقف لن يحتمل ثوان في التأخير عن التحرير !!! اختفى الشاب ... من اختطفه ومن حمله في مركبته وكيف ،؟ مرعت الطريق من بداية الصويفية إلى إشارة بداية عبدون ، لا أثر !! ويلي ومن سم هالفقوسات كيف انزلها من السيارة وأطعمها لأولادي ؟ يا لمرارة يومي ! أين سأجد الشاب الذي لم أصادفه ولو مرة واحدة في هذا الطريق ؟ فكل الباعة احفظهم هنا عن ظهر قلب ، من بائع الفراولة حتى بائع القرطاسية حتى بائع الحاملة يا ملان ،.حتى بائع البلالين حتى بائع فقاعات الصابون للاطفال، سألت بائع الفراولة : الشاب على المقعد المتحرك بياع الفقوس وين راح ؟ ضحك بحزن وقال : هذا طالب في الجامعة كانت آخر بكستين معاه ويمكن راح فحافلة جامعة الزيتونة يمر له من هنا ويأخذ الكرسي معاه !! قلت : هو يعني جديد هون صح ؟ قال : لا شكلك قليل بتمري الصبح من هون ؟ قلت : بتعرفه لو اعطيتك المصاري ؟ قال : حاضر على طول ، قلت له بلكي بكرة الصبح جيت وشفته ! اعطيته المبلغ الفراطة ومشيت وبائع الفراولة يقول : خليها علينا خالتي مش مشكلة ولو ما جيتي بكرة احنا بندفع له واحنا اصلا اللي جبناه هون يترزق غصب عن امه ، هو نافز هذا اندهس قدام جامعته قبل سنة وما زال بيكمل ، بعدين العوض على الله لو ما دفعتي زي ما قلنا لك !! يا سلام رزقكم الله يا فقراء يا احبة بلدي !