قانون الشركات وعلاج خسائره

أخبار البلد -

أسوأ ما في العمل التشريعي ان بعضا من نصوصه تم اعتمادها منذ أمد بعيد واستقرت على ما فيها من عيوب دون ان تحظى بأي مراجعة تذكر. ومن القوانين على ذلك الشيء الكثير. وقانون الشركات، في مورد تعرضه لبند رأس مال ، أورد عبارة «رأس المال» كإحدى متطلبات إجراءات التسجيل متفاديا تعريف ماهيتها. صحيح ان رأس المال ، وإن لم يكن معرف قانونا ، فهو معروف من الناحية النظرية ، إلا ان ما يترتب من تبعات على الاحكام المتعلقة به في قانون الشركات يستدعي معالجة دقيقة كي لا تبقى مؤشرا خاطئا على مركز الشركات المالي. وأولى تلك التبعات تتمثل في قيام المشرع بالتعرض لمعالجة الخسائر : حسب نص المادة ٦٨، إذا فاقت خسائر الشركة نصف رأس مالها ، عليها تخفيض رأس المال. من غير المفهوم ما هو وجه المصلحة في إقرار تخفيض رأس المال في تلك الحالة خاصة أن الخسائر قد يكون مصدرها ذمما على الشركة لصالح الغير ، الامر الذي يعني إعدام امكانية الوفاء بها . كان حريا بالمشرع ان يعالج هذه الحالة عبر تكليف الشركاء بضخ مزيد من السيولة في جانب حقوق الملكية تعزيزا لقدرات الشركة على الوفاء بحقوق الآخرين بدلا من طلب التخفيض وإقرار تموضع الشركة على رأس مال أقل. هذا من جهة. ومن جهة أخرى فإن المشرع يعود فجأة إلى تكليف الشركاء في المادة ٧٥ بتصفية الشركة او الابقاء عليها «بما يصحح اوضاعها»ا؟ ما هو المقصود يا ترى بتصحيح الاوضاع بعد ان كان قد حدد طريقة التصحيح في المادة ٦٨ عن طريق تخفيض رأس المال؟ ثمة غموض يكتنف إرادة المشرع حين يقترح تخفيض رأس المال تارة ثم يقترح تصحيح الاوضاع تارة أخرى دون بيان الفارق بينهما.
ثم يذهب المشرع إلى تكليف الشركاء برفع رأس المال إذا فاقت الخسائر ٧٥٪ من رأس المال. اي بمعنى انه لو كانت الخسائر٧٤.٩٪ من راس المال على الشركاء تخفيض رأس المال. أما إذا ارتفعت الخسائر عُشْرا واحدا فقط ، اي بلغت ٧٥٪ بات عليها ان ترفع رأس المال بدلا من تخفيضه. هل يعقل ان يكون لهذا العُشْر كل هذا المفعول بين الرفع او التخفيض؟ بالطبع لا. لكن من الواضح ان المشرع لم يستق هذه النظرية من اي قاعدة علمية ، بل اورد ما سار عليه قبله الأقدمون نقلا عن امهات كتب القانون دون ان يتكلف عناء نفض تلك النظرية والبحث في النواحي المالية الحقيقية التي عليه حمايتها والتي تتمثل في باب «حقوق الملكية». ذلك ان رأس المال لا دلالة له على شيء يذكر بعد تأسيس الشركة لأنه يمثل ألحد الادنى المطلوب لأغراض إطلاق الشركة ليس إلا. كما ان رأس المال يفقد اهميته بعد تقدم الشركة في اعمالها حيث يصبح جانب حقوق الملكية هو المؤشر الحقيقي لمركز الشركة المالي وليس رأس المال، وكم من عمالقة الشركات تحتفظ برأس مال مسجل بسيط قياسا لحقوق ملكيتها؟ هناك المئات من الشركات القائمة على هذا النحو. فعندما تبدأ الشركة بجني الارباح عاما تلو الآخر ، فإن جانب حقوق الملكية يظهر أثر تلك الارتفاعات. وإذا خسرت فإن جانب حقوق الملكية هو الذي يظهر أثر تلك الخسارة. وإلى حين بلوغ الخسائر إلى رأس المال هناك لربما مسافة شاسعة من حقوق الملكية التي تبدأ بالتآكل عاما تلو العام قبل ان تصل الخسائر إلى احد مكونات حقوق الملكية وهو «رأس المال». عبر تلك المسافة من الخسائر الظاهرة في انخفاض حقوق الملكية، يبقى القانون صامتا حيالها دون أن يطلق صفارة إنذار للمساهمين لحثهم على معالجة اسباب الخسائر قبل ان تبلغ رأس المال. عندها يكون إنقاذ الشركة بات مستحيلا وتصفيتها اولى من بقائها ايا يكن المتبقي من رأس المال.