اكتبوا مذكراتكم وتبرعوا بكتبكم

هناك ثلاثة انواع من المبادرات تعبر عن الوفاء للوطن والحرص على مستقبل اجياله،بدأت تطرح على الساحة الفكرية الثقافية الاردنية، في خضم انشغالها بالهم الوطني واهتمامها بالشأن القومي، تلك التي يتمنى الشارع الشعبي العام ان تتكاثر وتتطور وتستمر، لما فيها من فائدة عمومية واغناء للذاكرة الوطنية واللغة المشتركة بين الناس واستنارة اضافية لمن يسعى للحصول على المعلومة القيمة او الفكرة الراشدة او الرأي الحصيف.

ان أولى هذه المبادرات هي التبرع السخي بالمقتنيات الشخصية من الكتب والوثائق النادرة الى دائرة المكتبة الوطنية وما شابهها من مكتبات ومراكز، والتي كان احدثها التبرع بستة الاف كتاب من مكتبة المرحوم محمد نزال العرموطي، الوزير والعين والسفير ورجل الدولة المثقف من الطراز المثابر والأمين،وثاني هذ المبادرات نشر المذكرات التي تعكس التجارب الشخصية والتفاعل السياسي الثقافي الاقتصادي في حركة الدولة والمجتمع، والتي كان احدثها ما صدر عن العين القاضي تغريد حكمت وكذلك ما اصدره الاكاديمي الوزير السابق الدكتور صالح الخصاونه.وثالث هذه المبادرات هي تلبية الشخصيات العامة دعوات المنتديات والمنابر لتتحدث عن آفاق المستقبل بالاستفادة من التجربة الشخصية الثرية والممارسة الفاعلة للمسؤولية، والتي كان في مقدمة من انبرى لها عدد محدود من اصحاب الدولة الرؤساء الذين تبوؤا مواقع المسؤولية التنفيذية السياسية.
يضاف الى هذه المبادرات ما يؤلف من كتب عن رجالات الرعيل الأول الذين بذلوا قصارى جهودهم وقدموا عصارة تفكيرهم وبما يتلون به من ارادة قوية وعزم أكيد، لتطوير المجتمع وتقدم الوطن، لا بل وايضا من اجل استقلال البلاد وحرية الشعب في مراحل سابقة وعند مفاصل مهمة في المسيرة الوطنية والقومية الصادقة، ولم يكتب لهم ان يكتبوا، ولم يكن بالامكان ان يوثقوا ويحفظوا ذخائر افعالهم ومساهماتهم وانتاجهم، فيبادر الابناء او الاحفاد او الآخرين من البحاث وارباب القلم واصحاب الكلمة للحديث عنهم وتوثيق حيواتهم المنتجة المجيدة، وكان من احدث ذلك الانتاج كتاب الباحث محمود سعد عبيدات عن المجاهد ذائع الصيت حمد بن جازي.
ان من المأمول ان لا يتردد الآخرون عن الاقدام على فعل مبادرات من هذا النوع أو ذاك، وان لا يحجموا عن فعل مثل هذا الخير من اجل الآخرين، لتسجل في سجل حسناتهم ولتبقى صدقة جارية لهم وتبقى في ذاكرة الأهل والأحباء والتلاميذ والأجيال،وتشكل علما ينتفع به لدى جميع المطلعين عليه،فهم يقرأون هذه الكتب ويبحثون في تلك السير ويتمعنون في الأفكار المطروحة ويجادلون في الآراء المسموعة او المقروءة،وسيكون في كل ذلك فائدة للباحث وتوجيها للطالب وارشادا للشاب وتوعية للفتاة وامتاعا للمتقاعد، فضلا عن ان كل ذلك سيكون رصيدا معرفيا متصاعدا فيما يفيد رؤى البلاد ونظرتها التنموية وخطواتها الاصلاحية، ويكون كذلك رافدا للامكانيات المسخرة والاستراتيجيات الموضوعة في الورشة الوطنية الكبرى لبناء الوطن وتأمين مستقبله الأرغد والأقدر على مواكبة العصر والتكيف مع المستجدات ومواجهة التحديات.
وعلى صعيد آخر لا نجد انه من السليم ولا من الصواب، وحتى ولا من اللائق ايضا، ان تفسر مثل تلك المبادرات سواء كانت تبرعا بمكتبة عامرة او تأليفا لكتاب زاخر او القاء لمحاضرة عامة، بانها بقصد بناء مجد شخصي، او بهدف تلميع صور اصحابها، او بنية التفطين بادوارهم او التذكير باشخاصهم، لاغراض اعلامية بحته او سمعة اجتماعية خاصة، او تضخيم نفسي للذات، «وأما الزبد فيذهب جفاء واما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض».