طالبان هبة الله وعملية السلام


 

عندما أعلنت الولايات المتحدة عن مقتل زعيم حركة طالبان الأفغانية، الملا أختر منصور في 21 أيار 2016، عن طريق غارة لطائرة أميركية من دون طيار، أعرب الرئيس الأميركي باراك أوباما عقب عملية الاغتيال عن أمله أن يؤدي التخلص منه إلى انضمام طالبان لعملية السلام، وقال أوباما أن منصور «رفض جهود الحكومة الأفغانية للمشاركة بشكل جدي في محادثات سلام وإنهاء العنف»، مشيراً إلى أنه «يجب على طالبان استغلال الفرصة لانتهاج الطريق الحقيقي الوحيد لإنهاء هذا الصراع الطويل، وهو الانضمام إلى الحكومة الأفغانية في عملية مصالحة تؤدي إلى سلام واستقرار دائمين»، وكان وزير الخارجية الأمريكي جون كيري قال إن الملا منصور كان يشكل «تهديدا ماثلا ودائما للقوات الامريكية».
لا يبدو أن اغتيال منصور سوف يؤدي إلى دخول طالبان في محادثات سلام جدية، بل إنه يدفع نحو مزيد من التطرف لدى حركة طالبان، وسيؤي إلى تماسك الحركة التي كان منصور أحد أسباب تشتتها وانقسامها، فقد تولى منصور إمارة الحركة في 31 تموز 2015، عقب الإعلان عن وفاة الزعيم التاريخي الملا محمد عمر مجاهد في 29 تموز 2015، حيث اتهم منصور بإدارة الحركة سرا وإخفاء وفاة الملا عمر التي كانت قبل عامين في نيسان/ابريل 2013، وقد عيّن الملا منصور عقب انتخابه الملا هبة الله أخند نائبا له إلى جانب سراج الدين حقاني زعيم الشبكة القوية المتحالفة مع طالبان.
على الرغم من تنامي التصدعات والتشققات في هياكل حركة طالبان آنذاك، وتزايد الاختلافات الإيديولوجية والاستراتيجية، فقد تمكنت الحركة من حسم الخلافات حول قيادة الحركة، إلا أن ذلك جاء وسط معارضة أجنحة مختلفة حيث كان بعضها يفضل اختيار نجل الملا عمر الأكبر المولوي محمد يعقوب، وبعضها كان يرغب بتولي رئيس المجلس العسكري لحركة طالبان الملا قيوم ذاكر، وهما من أشد معارضي نهج أختر منصور المتعلق بالسلام مع حكومة أشرف غني الأفغانية، وعلاقاته مع جهاز الاستخبارات الباكستانية.
لقد عمل اغتيال أختر منصور على توحيد الحركة بصورة أفضل مع بقاء بعض الأجنحة المتحفظة، حيث أعلنت حركة طالبان بالإجماع اختيار هبة الله أخوند كقائد جديد للحركة، وأضافت الحركة في بيان لها أن سراج الدين حقاني والملا يعقوب ابن زعيم طالبان الأسبق الملا عمر عينا نائبين لآخوندزاد، ويعتبر هبة الله من القيادات التاريخية لحركة طالبان، فهو من علماء الحديث البارزين، وتولى منصب كبير قضاة الشرع في الحركة، كما كان نائبا لسلفه منصور، وهو في الخمسينات من العمر، ولد لأب فقيه في قندهار في جنوب أفغانستان على غرار سلفيه الملا عمر والملا أختر منصور.
تواجه الملا هبة الله تحديات عديدة في سياق تحولات عميقة في الظرف الدولي والإقليمي والمحلي الخاص بأفغانستان وحركة طالبان، وتتمثل بدخول الحركة في محادثات سلام مع حكومة أشرف غني الأفغانية تحت إشراف باكستاني، وصعود تنظيم الدولة الإسلامية في خراسان، فقد تعمقت الانشقاقات في صفوف طالبان الأفغانية، وباتت أعلام الدولة الإسلامية ترفرف فوق محافظات غزنة، وكابول، وزابول، وقندوز، وفرح، ونيمروز، كما أصبحت حركة طالبان الباكستانية بقيادة الملا فضل الله، تعاني من التشرذم والانقسام ودخلت في حالة من الفوضى تحت وقع حملة عسكرية مكثفة من الجيش الباكستاني، وباتت الدولة الإسلامية ملاذا ومنقذا.
يبدو أن حركة طالبان تحت قيادة هبة الله وحقاني ويعقوب غير مهتمة بالتفاوض مع الرئيس الأفغاني أشرف غني، فعقب اغتيال منصور حسمت الحركة خياراتها الإيديولوجية والاستراتيجية وأكدت على نهجها التاريخي بعدم الإيمان بالدستور والعملية الديمقراطية واعتبارهما من أنظمة الكفر والردة، ولا مساومة في عودة الإمارة وتطبيق الشريعة، فالقراءة الاستراتيجية لطالبان تؤكد على أن الولايات المتحدة لن تنسحب من أفغانستان بشكل كامل، وتعتبرها الحاكم الفعلي الذي يمكن للحركة التفاوض معه بشأن الانسحاب، والترتيبات النهائية حول مستقبل أفغانستان.
أحد الأسئلة المقلقة لواشنطن يتمثل بسلوك باكستان تجاه حركة طالبان وحلفائها الرئيسيين كالحزب الإسلامي بزعامة قلب الدين حكمتيار وشبكة حقاني، وتبدو الولايات المتحدة متشككة في هذا السياق، وهي مسألة تتطلب إغراء باكستان بمساعدات عسكرية واقتصادية باهظة، لكن المؤكد بأن الولايات المتحدة لن تنسحب بشكل كامل من أفغانستان وسوف تبقى لأمد بعيد فهي تدرك بأن هذه الخطوة سوف تجلب مزيدا من المخاطر على أمنها القومي وأمن حلفائها الإقليميين.
حركة طالبان ليست في عجلة من أمرها وهي تسيطر على مساحات واسعة من أفغانستان وهي تخوض الحرب على أرضها وبين أبنائها، وإذا كانت الولايات المتحدة تتوافر على شكوك في تحقيقها نصر نهائي في أفغانستان، فإن طالبان تتمتع بثقة ويقين بهزيمة أمريكا وحلفائها عاجلا أم أجلا.